يواجه لبنان كارثة حقيقية حيث التهمت الحرائق خلال الساعات الماضية، مساحات واسعة خاصة في المناطق الجبلية، ووصلت بعضها إلى المنازل، ما اضطر عددا من العائلات إلى النزوح، وسط حالة من الارتباك في صفوف المسؤولين التي تحاوطهم الانتقادات من كل حدب وصوب لما اعتبر تقصيرا من قبلهم في التعاطي مع هكذا كوارث طبيعية.
وبدا المسؤولون في لبنان يبحثون عن شماعة لتحميلها مسؤولية ما يجري حتى أن البعض ذهب حد القول بأن ما حصل يندرج في سياق مخطط واسع لضرب لبنان وزعزعة استقراره، ويبني هؤلاء رؤيتهم على تزامن تلك الحرائق مع ما تشهده مدن ساحلية سورية التهمت النيران هكتارات من أراضيها هي الأخرى.
وفي تعقيب على ما حصل قال رئيس الحكومة سعد الحريري في مؤتمر صحافي عقب انتهاء اجتماع لجنة إدارة الكوارث بمقر الحكومة في بيروت، إذا “كان الحريق مفتعلا، فهناك من سيدفع الثمن”، مشيرا أنه “لا أضرار جسدية حتى الساعة والأضرار المادية سنعوضها”.
وأكد أن “كل الأجهزة تعمل من دون استثناء، ولا بد من فتح تحقيق في ملابسات الحرائق وأسبابها”. وتابع “اتصلنا بالأوروبيين، ومن المفترض أن تصلنا وسائل للمساعدة خلال 4 ساعات، ونشكر كل الأجهزة على جهودها”.
انتشار الحرائق في مناطق عدة سببه النفايات الملقاة على الطرقات والنقص الهائل في جاهزية أدوات الدولة
وكانت قبرص والأردن قد سارعا إلى تقديم المساعدة، فيما أبدت بعض الدول في المنطقة استعدادها لتقديم الدعم، في ظل عدم امتلاك لبنان الإمكانيات الكافية لاحتواء الحرائق، وسط ضجة في الشارع اللبناني عن طائرات الـ”سيكورسكي” التي قيل إنّه تم شرائها بقيمة 14 مليون دولار لإطفاء الحرائق، في حين أنّها خارج الخدمة.
وطلب الرئيس ميشال عون في هذا الصدد فتح تحقيق في الأسباب التي أدت إلى توقف طائرات الإنقاذ وإطفاء الحرائق “سيكورسكي” عن العمل منذ سنوات وتحديد المسؤولية كما طلب إجراء كشف سريع على الطائرات الثلاث والإسراع بتأمين قطع الغيار اللازمة لها.
ونشبت حرائق، فجر الثلاثاء، في غابات بمختلف المناطق اللبنانية، لتتوسّع رقعتها بعد أن اقتصرت قبل يوم على منطقة “المشرف” الساحلية جنوب العاصمة بيروت.
وتركزت في مناطق المشرف والدبية والناعمة والدامور في الشوف (ساحل جبل لبنان الجنوبي)، والمدينة الصناعية في ذوق مصبح، وكريت ومزرعة يشوع وقرنة الحمرا في قضاء المتن والمنصورية في قضاء المتن (شمال بيروت)، وعكار شمالي البلاد.
وأعلن الصليب الأحمر اللبناني، في بيان، الثلاثاء أن “الحرائق اندلعت في غابات عدد من المناطق، وأتت على مساحات واسعة من الأشجار الحرجية (الغابية) المتنوعة، ولامست المنازل في عدد منها”. ولفت إلى أنه تم نقل 18 حالة صحية إلى المستشفيات، وتقديم الإسعافات لـ88 آخرين.
من جانبه، قال رئيس قسم التدريب في الدفاع المدني (إطفاء) نبيل صلحان “خلال 24 ساعة، حدثت 105 حرائق بمختلف المناطق اللبنانية، ولا يزال بعضها قيد المعالجة ولا ضحايا حتى الساعة”.
وأوضح صلحان، في تصريحات إعلامية، أنّه “منذ عشرات السنين لم نشهد حرائق بهذا الحجم”، مؤكدًا أنّ الحريق الذي يندلع عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يطرح علامات استفهام”، دون تفاصيل أخرى.
ولا يبدو أن التلميحات بوقوف جهات خلف تلك الحرائق تلقى التأييد من قبل الكثيرين على غرار مدير مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال أفرام الذي تحدث في تصريحات صحافية بأن “عامل الطقس هو المسبّب الرئيس لاندلاع النيران، وهو الأمر الذي حذّرنا منه منذ السبت الفائت، حيث وصلت الحرارة إلى 39 درجة وشعر الناس بارتفاع مُفاجئ بدرجات الحرارة”.
وذكر أفرام بأنّ “مصلحة الأبحاث نبّهت قبل أيّام من حدوث حرائق، خصوصا أنّ عوامل الطبيعة في لبنان تُسهّل اشتعالها”، ولفت إلى سبب انتشار الحرائق إلى “النفايات المرميّة على الطرقات وعدم تنظيف الأعشاب في مختلف المناطق والنقص الهائل في جهوزيّة أجهزة الدولة لمواجهة الحرائق”.
ويعاني لبنان منذ سنوات من تكدس النفايات في مختلف المناطق، دون أن يجد هذا الملف طريقه إلى الحل، رغم التحركات الاحتجاجية التي جرت للضغط على المسؤولين لتسوية هذه المشكلة التي أضحت كارثة بيئية فعلية.
ويقول سياسيون لبنانيون إن هناك حالة من التراخي لا سابق لها، وهذا يعود إلى العقلية التي تدار بها الدولة، وما الحرائق التي انتشرت حتى لامست المنازل الآهلة، ليست إلا ترجمة لهكذا واقع فيما لا يتوانى المسؤولون عن إلقاء المسؤولية على شماعة المؤامرة، فقبل أيام كان الجميع يتحدث عن مؤامرة اقتصادية واليوم تحول الحديث عن أن ما حصل من حرائق هو بفعل فاعل، وفي كل ذلك يبقى السؤال المطروح أين رجال الدولة؟