Site icon IMLebanon

أكثر من 300 ألف لبناني يعانون من نقص الغذاء

كتبت مريم سيف الدين في “نداء الوطن”:

إحتفل لبنان أمس باليوم العالمي للغذاء، تزامناً مع سعي مجلس النواب إلى إقرار قانون لمكافحة هدر الغذاء ووهب الفائض منه للمحتاجين إليه. يؤكد النائب بيار بو عاصي، رئيس اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة المكلفة درس اقتراح القانون، أن لبنان متجه لأن يكون البلد الخامس الذي يضع قانوناً لوهب الغذاء للفقراء، مشدداً على التمييز بين بقايا الطعام والفائض منه، فـ”البقايا لا يمكن وهبها”. أما الآن وقبل إقرار القانون فيعمل بنك الغذاء اللبناني على جمع فائض الطعام من نحو 40 مؤسسة وتوزيعه على المحتاجين. والمؤسف أن الأزمة الإقتصادية أدت الى انخفاض كمية الطعام الممنوحة للمحتاجين. ففي اتصال مع “نداء الوطن” تكشف المديرة التنفيذية لمؤسسة بنك الغذاء اللبناني، سهى زعيتر، أن التبرع بالطعام عينياً ومادياً قد انخفض، “فالمطاعم والفنادق التي نتعامل معها خفضت إنتاج الطعام”.

لا أرقام أو إحصاءات رسمية ودقيقة تكشف واقع الغذاء في لبنان. لا تعداد للّذين يعانون من سوء التغذية، ولا تقدير لكميات الطعام المهدورة. هذه الأمور لا تهم من قد يطلب من الفقير أن يجوع “تقشفاً”. يقدر بو عاصي عدد اللبنانيين الذين لديهم حاجة غذائية بنحو 300 ألف لبناني على الأقل. منصب أبي عاصي كوزير سابق للشؤون الإجتماعية وكرئيس للجنة المكلفة درس اقتراح قانون مكافحة هدر الغذاء مكّنه من الاطلاع على بعض الأرقام. يكشف بو عاصي أن نحو 44 ألف عائلة تعاني الفقر المدقع، “بشكل علمي هناك 10 آلاف عائلة تمنحها وزارة الشؤون بطاقات تغذية، في مؤسسات الرعاية وحدها هناك 20 ألف شخص بحاجة إلى الغذاء، ونحو ثلث الشعب اللبناني يعيش تحت مستوى الفقر، وفق ما تشير إليه دراسات عدة”.

يرى بو عاصي ضرورة في إقرار قانون لوهب الغذاء لمساعدة الجمعيات على الإستمرار، “فهي المعنية مباشرة بالمساعدة الغذائية، دعم الدولة للجمعيات تراجع ولا انتظام بالدفع”. ووفق رئيس اللجنة المكلفة دراسة مشروع القانون الذي تقدم به عدد من النواب، فإن اللجنة وضعت نصاً جديداً لتقديمه للّجان المشتركة، يتضمّن تعديلات أساسية في المشروع. إذ تبين للنواب بعد الاطلاع على شرح المعنيين في مجال الأغذية وأصحاب المطاعم والخبراء بسلامة الغذاء، أنه من الصعب اللجوء إلى المطاعم لتأمين الغذاء، وفق بو عاصي، ويرى أن مسألة الردع والتحفيز تطرح إشكالية. ولا يحبذ بو عاصي فرض عقوبات لإجبار المطاعم على التبرع، “فالدول الأربع التي أقرت قانوناً لوهب الغذاء لم تقر رقابة ردعية.

مشروع القانون الجديد

وعلى الرغم من عدم اقتناعه بنص المشروع الأول الذي قدِّم وملاحظاته عليه والتعديلات الجذرية التي وضعها، ينوِّه بو عاصي بمشروع القانون الذي قُدّم “فلو لم يقدّم النص الأساسي ما كنا بدأنا النقاشات”. وكان قد تقدم بنص مشروع القانون في نيسان 2018، النائب السابق غسان مخيبر. من ثم تقدمت به في حزيران الماضي النائبة ديما جمالي وعدد من النواب إلى رئيس المجلس نبيه بري، ليحيله إلى اللجان المختصة. ألزم نص المشروع جميع المطاعم والمقاهي والمراكز التجارية ومراكز التموين والفنادق، والوكلاء وتجار الخضار والفاكهة، والنوادي ومخازن الطعام بوهب بقايا الطعام والمواد الغذائية غير المباعة وغير المستهلكة الى بنوك الغذاء أو إلى المستفيدين الأخيرين. كما نص على حوافز ضريبية ايجابية (اعفاءات) وسلبية (غرامات) تساهم في حسن انفاذ القانون. وعلى معاقبة كل جهة ملزمة وهب الغذاء تتخلف عن التقيد بموجباتها بغرامة قدرها مليون ليرة لبنانية عن كل مخالفة.

بنود هذا المشروع سقطت خلال جلسات نقاشه، فعلى الرغم من حسن نية المتقدمين به وغاياتهم النبيلة، غير أنه تبين أن بنوده محفوفة بالمخاطر. وأن تطبيق المشروع قد يؤدي إلى إيذاء الفقراء وتسميمهم بدل مساعدتهم. فمسألة التبرع بالطعام ليست بالبساطة التي نتخيلها. إذ إن عملية نقل الطعام والحفاظ على سلامته تتطلب الكثير من الدقة والحذر، وتفرض كلفة مالية مرتفعة. وإن أورد نص القانون بين الأسباب الموجبة لإقراره أن مكافحة هدر الغذاء وسيلة من وسائل التخفيف من النفايات وحسن إدارتها ومعالجتها، فلا يعني ذلك تحويل معدة الفقراء لسلة مهملات، وعدم الالتفات الى الضرر الذي قد يلحق بهم.

إنطلاقاً من الخطر الذي قد يتعرض له الفقراء نتيجة لوهب الطعام بشكل غير مدروس، جرى تعديل المشروع تعديلات جذرية. في هذا الإطار ينبه بو عاصي من وجود تداخل بين هدف حماية الطبيعة من تلف الغذاء وبين وهب الغذاء، مؤكداً توجه النص الجديد للقانون إلى فصل الموضوعين عن بعضهما. “فمسألة معالجة تلف كميات كبيرة من الأطعمة تبدأ بتوعية التجار وتدريبهم على المستوى التجاري لاستخدام غذاء أقل من خلال طريقة الطهو”. أما بقايا الطعام التي يرفض بو عاصي وهبها، فيرى الحل بتحويلها إلى علف أو تسبيخها أو استخراج غاز الميثان منها واستخدامه لتوليد الطاقة.

وهب الطعام  … لا تسميم الجياع

يشرح بو عاصي أن اللجنة التي يرأسها قسّمت الطعام إلى أربعة أقسام، لا يمكن في المرحلة الأولى وهب سوى القسم الأول منها، ولحظت اللجنة الاعتبارات والتجهيزات اللازمة لنقله. ستبدأ خطة وهب الطعام في النص الجديد لمشروع القانون بوهب الطعام من المصادر السهلة نسبياً، كالمعلّبات. لتوزّع ويتم استهلاكها قبل انتهاء تاريخ الصلاحية، “فنقل المعلبات سهل ولا يتطلب برادات ولا يحتاج إلى وسيط، ويمكن للمستفيد التوجه إلى المصدر مباشرةً”. كلام بو عاصي عن الاتجاه لتوزيع المعلبات بدايةً يتطابق وكلام مستشار نقابة المطاعم نبيل رزق الله الذي شارك في اجتماعات مناقشة المشروع، وأثبت للنواب علمياً خطورة إجبار المطاعم على وهب فائض الطعام وبقاياه للفقراء، وضرر ذلك على صحتهم ما قد يؤدي إلى تسميمهم. ويبدو أن رزق الله استطاع إقناع اللجنة النيابية بضرورة تعديل المشروع نظراً لخطورته على السلامة العامة. فسقطت منه البنود التي تجبر المطاعم على وهب الطعام تحت طائلة العقوبات في حال لم تلتزم.

يقول رزق الله لـ”نداء الوطن” إن اللجنة النيابية “تسعى لايقاف هدر الطعام لسببين: بيئي والأهم مساعدة المحتاجين، لكننا لا نريد أن نسمّم الجائع ليعاني من الجوع والتسمم وتضاف عليه فاتورة استشفاء. همنا إيصال الطعام السليم، وهو ما كان في صلب النقاش على مدى يومين”. يشرح رزق الله أن القطاعات التي يمكنها وهب الطعام هي تلك التي تبيع المعلبات والخضار والفواكه والخبز والنواشف، “فكل ما هو مطهو يشكل خطراً”. يشرح مستشار النقابة أن الطعام المعلب مقسوم إلى قسمين. قسم مكتوب عليه يفضل استهلاكه قبل تاريخ محدد، “هذا الطعام لا مشكلة في استهلاكه بعد التاريخ المذكور، قد يتغير مذاقه فقط ويمكن توزيعه للمحتاجين. أما المعلبات التي يقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها وفي حال كانت علبها بحال جيدة، فالتاجر مجبر على التخلص منها، وسيجبره القانون على إعطائها للمحتاجين قبل مدة من انتهاء تاريخ صلاحيتها، بأسبوعين مثلا “. ويكشف رزق الله أن المشروع الجديد قد يفرض عقوبات على أشخاص محددين، على عكس النص الأول الذي أجبر الجميع على التبرع بالطعام.

لن يقف القانون عند مرحلة التبرع بالمعلبات، بل ستتبعها مراحل أخرى في كل مرة يصبح فيها ذلك ممكناً، وفق بو عاصي. “إذ يمكن وهب المواد المبردة واللحوم، لكن المسألة أكثر صعوبة. ويمنع وهب اللحمة المفرومة والسمك لاحتوائها على نسبة عالية من البكتيريا، ما يستدعي سلسلة تبريد ممنوع أن تنقطع”. شروط تبدو وكأنها تعقّد عملية التبرع بالطعام، لكن بو عاصي يؤكد أن اللجنة لا تقفل الطريق أمام امكانية وهب هذه المواد في مرحلة لاحقة، ستحدد المراسيم التطبيقية التي ستصدر كيفية ضبطها”.

أما الطعام المعروف بالكاترينغ أو الطعام المعد للمناسبات، فتتطلب عملية وهبه إجراءات أصعب من إجراءات وهب الطعام المبرد. وهو طعام يعدّ بكميات كبيرة، لا تستهلك بمعظمها لالتهاء المدعوين بالمناسبة. موقف رئيس اللجنة حاسم بالنسبة لهذا النوع أيضاً، “فممنوع وهب الطعام الذي يترك على الطاولة، قد نصل في مرحلة ثالثة إلى وهبه لكن ضمن آلية محددة”. في هذا الوقت تؤكد المديرة التنفيذية لبنك الغذاء اللبناني، سهى زعيتر، قيام البنك بوهب هذا النوع من الطعام الذي يجمعه من الفنادق والمطاعم. وهو ما يبرره رزق الله باتخاذ البنك احتياطات كبيرة وتكلّفه مبالغ مالية للقيام بذلك. كما يلفت رزق الله الى أن البنك يتعامل مع مطاعم وفنادق محددة قادرة على ضبط الطعام لديها، وهو ما لا يمكن حصوله في حال تم تعميم الأمر على كل المطاعم اللبنانية. يشرح رزق الله الرافض أيضاً لوهب هذا النوع من الطعام، سبب رفض ذلك: “طعام المناسبات يحضّر قبل الوقت بنحو ساعتين من المناسبة. من ثم يعرض على الطاولات مدة ثلاث أو أربع ساعات، قد يوضع في السيارة مدة ساعة لنقله إلى مستهلكه. سيصل مسمماً. كما أن كمّيته قليلة وكلفة إبقائه مبرداً مرتفعة، لذلك يفضل رميه”.

المطاعم لا تهدر الطعام… المواطن يفعلها

يكشف كلام بو عاصي ورزق الله أن كمية الطعام المهدور في المطاعم ليست بالحجم الكبير الذي نتصوره. ويبدو أن هناك خلطاً بين الهدر في الطعام الذي يتحمل مسؤوليته المطعم، والهدر الذي يرتكبه الزبون. هم المطعم تسويق الطعام لا إقناع الزبون بالاكتفاء بحاجته، كما أن طبيعة المائدة اللبنانية تشجع على الهدر. يقدر رزق الله نسبة الهدر في المطاعم بالنصف بالماية، “قطاع المطاعم ليس قطاع هدر لأنه يحسب أرباحه بدقة”. ووفق بو عاصي هناك فرق بين التصور والواقع، “فهدر الغذاء لا يتجاوز الـ 5%”.

في اتصال مع “نداء الوطن” يعتبر نقيب المطاعم طوني الرامي أنه من غير الممكن إجبار المطاعم على وهب الطعام. “فكل ما يطبخ لا يعود صالحاً للوهب”. ويشرح الرامي أن حفظ سلامة الطعام يفرض على المطاعم كلفة عالية. “الطعام الذي يعود عن الطاولة لا يمكن إعادة حفظه، فحفظه سليماً يتطلب إعادة توضيبه وفصله يحتاج إلى غرف جاهزة لتبريده”. أما الطعام المتبقي في صحن الزبون فلا يمكن إعادة وهبه، فحلقة سلامة الغذاء تبدأ من المصدر حتى شوكة الزبون، عند الشوكة لا يعود الطعام صالحاً للاستهلاك من قبل شخص آخر”. ويشير الرامي الى أن المطاعم دائماً ما تقوم بمبادرات لتقديم وجبات الطعام خلال العام إلى الجمعيات.

إذاً فالمرحلة الآن تسمح بالبدء بوهب المعلبات فقط، وبناءً على كل خطوة تحدد الخطوة اللاحقة، هي خلاصة كلام بو عاصي. كما أن الاطلاع على تفاصيل عملية اعداد الغذاء وما شرحه المعنيون كشف أنّ وهب الطعام أعقد مما نقوم به في منازلنا. حيث نضع المتبقي من الطعام في وعاء ونرسله لمن يحتاجه. ويشير كلام المعنيين الى أن ممارساتنا اليومية في منازلنا غير آمنة، وأنه من الأفضل أحياناً رمي الطعام بدل وهبه. ما يعني أن الطريقة الأفضل لمكافحة هدر الطعام هي اكتفاء المستهلك بطلب حاجته وحسب. وربما علينا التخلي عن المازة اللبنانية وميلنا لتنويع الطعام على المائدة، أو جعل المازة طبقاً رئيسياً.

بنك الغذاء سبق المشرّع

قبل أن يطرح مشروع قانون لمكافحة هدر الغذاء، بادر بنك الغذاء اللبناني إلى مكافحة الهدر. اليوم يجمع البنك فائض الطعام من نحو 40 مؤسسة ويوزعه على المحتاجين، وفق معايير صحية وآليات محددة. تشير مديرة البنك أن الطعام يجمع من مطاعم وفنادق ومؤسسات شهيرة تتمتع بتقييم عال. “فالبنك يحاول القضاء على الجوع وهدر الطعام عبر عدة مشاريع يعمل عليها، على مدار العام. ويجري البنك سنوياً تدريباً لشبان وشابات مع شركة بويكر لنقل الطعام. كما يعمل على برامج التوعية في المدارس والجامعات”. واستطاع البنك كسب ثقة هذه المؤسسات والتعاون معها وفق عقد اتفاق، “قبل كنا ندق الأبواب من دون التجاوب معنا، عندما علموا بوجود عقد وبأننا نتحمل المسؤولية، وعندما رأوا طريقة عملنا وشفافيتنا وحرصنا على سلامة الناس تشجعوا”.

يعمل البنك، وفق مديرته، مع 75 جمعية، يرسل إليها الطعام وفق حاجاتها وتجهيزاتها. “فتلك التي تملك برادات نرسل لها الطعام المبرد، ومن لا تملك برادات نرسل لها حصصاً غذائية لا تحتاج الى تبريد”. ينقل بنك الغذاء الطعام الفائض من البوفيه في المطاعم والفنادق والطعام المتبقي من المناسبات. لا ينقل البيض والسمك المطبوخ وكل اللحوم النيئة، والسلطة التي تحتوي على سوائل، والبندورة المقطعة وكل ما قد يشكل نقله خطراً او ضرراً. ولا يمكن للمنازل التبرّع بالطعام للبنك، “لأن العائلة تطبخ لعدد قليل من الأشخاص وعادة ما يبقى الطعام في البراد ليوم أو يومين ليرمى من بعدها”. لكن البنك سمح لربات المنازل الراغبات بالمساعدة بللقيام بذلك عبر مشاريع طهي. ما يسمح لربات المنازل بطهي الطعام المخصص لبنك الغذاء على أن تحدد السيدة تاريخاً لذلك، فيزورها البنك ويستلم منها الطعام ساخناً.

ساهم بنك الغذاء بطرح مشروع القانون، وفق مديرته: “بدأنا العمل على المشروع منذ نحو عامين مع النائب غسان مخيبر. سيساعدنا القانون كثيراً في حال طبِّق. سيغير أموراً كثيرة وسيحفّز الناس على المساعدة”. وفي حين لا يحبذ رئيس اللجنة التي تدرس المشروع وضع عقوبات على من لا يلتزم بوهب الطعام، تشرح زعيتر أن مخيبر اقترح وضع عقوبات مبرراً ذلك بأن كل قانون يجب أن يتضمن تحفيزاً وعقوبات “لأن الانسان بطبيعته يجب أن يخاف من عقاب”.

وفي ظل غياب الأرقام، تقدر زعيتر كمية الطعام الذي يهدر في لبنان بأكثر من النسبة العالمية المقدرة بالثلث، “لأن الكرم اللبناني فائض نتوقع أن يرمى الكثير من الطعام”. فضلاً عن جمع الفائض يعمل البنك على توعية الناس حول ضرورة مكافحة هدر الطعام، وتدعو زعيتر المواطنين إلى عدم رمي الطعام، إن كان بحالة جيدة، وتدعو المطاعم لتوضيب بقايا الطعام وإعطائه للزبون.