كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
يبدو أن قدر الموارنة العيش في ظلّ الصراعات الدائمة حتى داخل مؤسساتهم التي يُفترض بها أن تُشكّل صلة وصْل بينهم، ووصَل هذا الأمر إلى “الرابطة المارونية” بعد البيان الذي أطلقه رئيسها نعمة الله أبي نصر واتّهمه بعض أعضاء الرابطة بالتفرّد والخروج عن الأدبيات التي تعمل بها رابطتهم منذ سنوات وهدّدها بالإنفجار من الداخل.
في 16 آذار الماضي جرت إنتخابات “الرابطة المارونيّة” وفازت لائحة “الأصالة والتجدد” التي يرأسها النائب السابق نعمة الله أبي نصر والمدعومة من “التيار الوطني الحرّ” و”القوات اللبنانية” و”المردة” وعدد من القوى المسيحية الأخرى.
وأسفرت النتائج عن انتخاب أبي نصر رئيساً للرابطة، والبروفسور مطانيوس الحلبي نائباً للرئيس، جورج الحاج أميناً عاماً، عبده جرجس أميناً للصندوق، والأعضاء: جوزف نعمه، ابراهيم جبور، جوزف كريكر، دوري صقر، ريشار روحانا فغالي، ريمون عازار، سندرلا صقر، سيلفي فضل الله، طوني منعم، كريم طربيه، مسعد فارس، نبيل كرم وندى عبد الساتر.
وينتظر الموارنة من مؤسساتهم عند كل إستحقاق أن تُحدث التغيير المنشود، لكن النتائج لم تكن على قدر الآمال خصوصاً وأن الإستحقاقات الداهمة تُسبّب تباعداً بين الأفرقاء الموارنة المتباعدين أصلاً.
وفي السياق، برز بيان “الرابطة المارونية” في معرض الردّ على تظاهرة “الحزب التقدّمي الإشتراكي” الإثنين الماضي وكلام الوزير وائل أبو فاعور، ذاك البيان الذي استعمل مصطلحات قويّة وخلق شرخاً في جسم الرابطة.
ورأى البيان أنها “ليست المرّة الأولى التي يتطاول فيها “الحزب الإشتراكي” على موقع رئاسة الجمهورية، فهي عادة قديمة تمتدّ إلى أيام الرئيس بشارة الخوري عندما انقلب عليه كمال جنبلاط، الذي كرّر فعلته مع الرئيس كميل شمعون، فقاد الثورة المسلّحة ضدّه في العام 1958 ولم يتمكّن من إسقاطه، واستقوى في العامين 1975 و1976 بالسلاح الفلسطيني ليُسقط بكفيا وجونيه عسكرياً وترحيل الموارنة عن لبنان ولم يظفر بمأربه، وكان نجله وليد أميناً على الرسالة والعهد، فلم يُبقِ مسيحياً واحداً في الجبل، وحاول الزحف على قصر بعبدا وخلع الرئيس أمين الجميّل لكنه لم يتمكّن من تجاوز سوق الغرب. وقاد معركة ترحيل الرئيس إميل لحود قبل انتهاء ولايته فخاب رهانه، وأخفق سعيه. واليوم أوعز إلى الوزير وائل أبو فاعور كي ينهج على هذا المنوال، وأن يتطاول على مقام رئاسة الجمهورية وما يمثّله من رمزية وطنية، مسيحية ومارونية. نحن نغفر الإساءة، وإن كنّا لا ننسى إستباحته للحدود اللبنانية أمام كلّ طارئ دونَ حسيبٍ أو رقيب في موضوع النزوح، فإنّنا لا ننسى قول وليد جنبلاط عن الموارنة بأنّهم “جنس عاطل” ونحن لا نعتقد أنّ حلفاءه ومحازبيه من أبناء طائفتنا هم من هذه الفئة”.
ردود فعل
هذا البيان خلق موجة ردود معارضة، وعلمت “نداء الوطن” أن بكركي لم تكن قد اطلعت على البيان وإلا كانت رفضته حتماً، وتؤكد مصادر كنسيّة لـ”نداء الوطن” أن “البطريركية المارونية متمسّكة بالمصالحة التاريخية التي أتمّها البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في الجبل ويكملها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ولذلك، الوقت الآن ليس وقت فتح جراح الماضي الأليم، ويجب الإبتعاد عن كل تلك اللغات والإنصراف إلى إنقاذ الوضع”.
بدوره، يرى مستشار رئيس حزب “القوات اللبنانية” وعضو المجلس التنفيذي في الرابطة المحامي جوزيف نعمة أن البيان الذي صدر خالف بشكل فاضح النظام الداخلي للرابطة لأن رئيس الرابطة يتكلّم باسمها لكن من يحدّد سياستها الداخلية هو المجلس التنفيذي للرابطة، فتصرّف أبي نصر لوحده وأصدر البيان الشهير من دون العودة إلى المجلس الذي يناقش مثل هكذا بيانات، وقد يعدّل فيها.
ويوضح نعمة لـ”نداء الوطن” أن “مضمون البيان لا يُعبّر عن سلوك أبي نصر، خصوصاً أن الرابطة تضم كل الموارنة سواء كانوا معارضين أو موالين أو على الحياد، وتهتم الرابطة بالقضايا الإستراتيجية وتدافع عن مصالح الموارنة العليا وعن مصلحة الوطن”. وينتقد نعمة تحوّل الرابطة إلى فريق سياسي بسبب بيان أبي نصر الذي قال ما قاله وعوّم حتى الرئيس إميل لحود.
ويضيف: “صعد البطريرك الكبير مار نصرالله بطرس صفير إلى الجبل العام 2001 وأتمّ المصالحة مع الدروز، وصلّى على أرواح الذين استشهدوا وفتح صفحة جديدة من تاريخ الوطن، فلماذا ننبش القبور ونُعيد إحياء الصراعات القديمة ونبثّ روح الفتنة؟”. ويلفت إلى أن أبي نصر “كان نائباً في تكتل “التغيير والإصلاح” منذ العام 2005 وكان متميزاً بمواقفه التي تدافع عن القضايا المارونية المحقّة وحتى القضايا الوطنية مثل مواجهته مرسوم التجنيس، فلماذا صدر عنه هذا البيان الشاذ، ولماذا يطيح بكل رصيده الماروني والوطني؟”.
ويشير إلى أن وزارة المهجرين لا تزال موجودة وهناك جروح في الحرب لم تندمل بعض، ويجب العمل على المصالحات بدل نكء الجراح، وإدخال المسيحيين في صراع جديد في الجبل. ويشدّد على ان “الرابطة يهمها الدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية عندما يمسه خطر كبير، لا أن تدخل في تجاذبات داخلية، فالردّ في هذه المواضيع يأتي من الاحزاب لا من الرابطة”.
ويقول: “أنا مستشار رئيس حزب “القوات” سمير جعجع وعضو في الرابطة، وجعجع رشّح “خصمه اللدود” ميشال عون لعدم إبقاء كرسي الرئاسة فارغاً، لذلك لا يستطيع احد المزايدة في حماية موقع الرئاسة”. ويؤكد ان معظم اعضاء المجلس يرفضون البيان وعليه أن يتراجع عنه.
من جهته، يوضح نائب الرئيس مطانيوس الحلبي لـ”نداء الوطن” أنهم لم يطّلعوا على البيان فور صدوره، “وهذا الأمر لم يحصل في الشكل، وهنا لا نناقش المضمون”. ويشير إلى أنه قاد الإتصالات منذ أمس الأول وذلك كي لا يصل الوضع إلى الإنفجار، مؤكداً أن الرابطة المارونية هي من المؤسسات التي تحل خلافاتها في ما بينها، وبالتالي فإن الأمور تتّجه نحو تطويق ما حصل.
إجتماع للتطويق
وحصل اجتماع بعد ظهر أمس برئاسة أبي نصر من أجل مناقشة بيان الرابطة ولملمة الأمور، وأدلى كل فريق بمواقفه في ما خصّ البيان الصادر وطريقة إدارة الرابطة.
وعلمت “نداء الوطن” أن غالبية الأعضاء كانوا معارضين للبيان والطريقة التي صدر فيها، وقالوا ما عندهم أمام أبي نصر، لكن حرصاً على وحدة الرابطة وعدم الرغبة في إحداث شرخ، تم تمرير الموضوع بانتظار حصول أي رد فعل ما، فإذا كانت للبيان ترددات سلبية عندها ستصدر الرابطة توضيحاً.
ومن جهة ثانية، فقد أجمع الأعضاء على أن دقّة الوضع وموقع الرابطة أهم من المخالفة التي حصلت، وبالتالي فلن ينجرّ احد إلى ردّ فعل مضاد وتخريب تركيبة الرابطة.
التأسيس والدور
وبعد عرض المشكلات التي حصلت أخيراً، لا بد من العودة إلى تاريخ الرابطة والإطلاع على الأهداف التي تأسست من أجلها لمعرفة دورها المستقبلي والواجبات المترتبة عليها.
وقد أبصرت الرابطة النور في 21 آب 1952 في بيروت من قِبل مجموعة من الشخصيات والمثقفين الموارنة الذين إنتخبوا جورج تابت كرئيس في أول جمعية عامة، وأصبحت الرابطة أكثر تسييساً في ستينات القرن الماضي، ما عزز علاقاتها مع قادة الكنيسة المارونية حيث تعتبر بمثابة الجناح السياسي لبكركي.
وتميزت الرابطة بوقوفها إلى جانب الخط الماروني الوطني الذي يدافع عن لبنان. ومنذ خمسينات القرن الماضي، عملت الرابطة على اتخاذ التدابير التي تمنع تهديد الوضع السياسي الذي يحمي المسيحيين واللبنانيين، ومارست الضغط بهدوء لرفع الحظر القانوني على الأنشطة العامة للكنيسة المارونية أو لتقييد حقوق العمال عن طريق كبح النقابات العمالية. وعارضت وجود اللاجئين الفلسطينيين والفصائل المسلحة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ومحاولتهم تحويل لبنان إلى وطن بديل.
قدّمت الرابطة في أوائل سبعينات القرن الماضي الدعم للمقاومة المسيحية التي وقفت من أجل الدفاع عن الكيان، وانضمت الرابطة إلى الجبهة اللبنانية في العام 1976، وبقيت ناشطة طوال الحرب الأهلية من وراء الكواليس، وشجعت على سياسة التقارب والمصالحة بين مختلف الأحزاب المسيحية خلال الصراعات العنيفة بين المسيحيين في أواخر سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
الهيكليّة والأعضاء
تضمّ الرابطة كما هو متعارف عليه “مجموعة نخبوية” مارونية حصراً، وتتكوّن عضويتها من الشخصيات البارزة في القطاعين العام والخاص، والمثقفين ورجال الأعمال والمصرفيين والسياسيين مثل رؤساء الدولة السابقين وأعضاء البرلمان ووزراء الحكومة والدبلوماسيين، بالإضافة إلى المحامين ورجال القانون والموظفين الحكوميين وكبار ضباط الجيش أو الشرطة المتقاعدين ورؤساء الجمعيات الاقتصادية والاجتماعية ومديري الشركات وغيرهم. ويتم قبول 60 عضواً جديداً في الرابطة فقط في كل عام.
يُدير الرابطة المجلس التنفيذي المكوّن من سبعة عشر من كبار الأعضاء المنتخبين، ويرأسه رئيس منتخب ونائب للرئيس بمساعدة أمين عام وأمين صندوق يتم إختيارهم من الأعضاء المنتخبين في المجلس. وهناك جمعية عامة تابعة للرابطة مكوّنة من كل أعضاء الرابطة، وتقوم بجلسة واحدة بانتخاب الرئيس ونائب الرئيس والمجلس التنفيذي ولجنة القبول. يتم إنتخاب الرئيس ونائب الرئيس لمدة ثلاث سنوات وتكون المدة قابلة للتجديد مرة واحدة، في حين ينتخب المجلس التنفيذي بشكل منفصل من قِبل الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. كما أن هناك 12 لجنة دائمة يرأس كل واحدة منها عضو من أعضاء المجلس التنفيذي، وهذه اللجان يمكن زيادة أو إنقاص أعدادها وفقاً للحاجة. يتم إنتخاب لجنة القبول من قِبل الجمعية العامة لمدة عام واحد غير قابل للتجديد. ويتم عقد اجتماعات المجلس في مقرّ الرابطة في المجلس المركزي للجمعيات المارونية في شارع المدوّر في بيروت.
ويعتمد تمويل الرابطة بشكل أساسي على رسوم العضوية السنوية والتبرعات الخاصة، لأنها منظمة غير ربحية.