كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:
يُستبعد أن تقتصر اللقاءات التي عقدها السيّد حسن نصرالله مع الوزير جبران باسيل والوزير السابق سليمان فرنجية، والتي يمكن أن يعقدها مع شخصيات أخرى، على التشاور السياسي من دون لائحة أهداف وخريطة طريق للتنفيذ.
يشعر “حزب الله” ومَن يدور في فلكه بنشوة التقدُّم وتسجيل النقاط إقليمياً، على أثر مواقف الرئيس الأميركي المتردّدة والانسحابية من وحول المنطقة، وقدرة طهران على احتواء العقوبات، وفرض الحوثي نفسه داخل المعادلة اليمنية، وزوال الخطر على بشار الأسد الذي يواصل توسيع سيطرته ونفوذه، فضلاً عن بعض الاتصالات العربية التي تُجرى معه تحت الطاولة، وعدم رغبة أميركا في شن حرب عسكرية على إيران، كما عدم رغبة تل أبيب التي دخلت في فوضى دستورية غير مسبوقة…
إنطلاقاً من هذه القراءة، يحاول “حزب الله” أن يستفيد من التطورات الإقليمية التي تصبّ في مصلحته من أجل ترجمتها على الأرض اللبنانية، وهو يتحرّك حتى إشعار آخر ضمن حَدّين: الحد الأول تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهذا تحديداً ما ورد في البيان الرسمي الصادر عن اجتماع نصرالله – فرنجية لجهة “عودة العلاقات بين لبنان وسوريا إلى وضعها الطبيعي”، إذ يعتقد نصرالله أنّ اللحظة الخارجية أكثر من مواتية لتهريب التطبيع أو إمراره، وأنّ ما عجز عنه في السنوات الماضية يمكن أن يحقّقه اليوم.
وقيل انّ الأمين العام لـ”حزب الله” كلّف رئيس “التيار الوطني الحر” تنفيذ هذه المهمة، التي قَبِلها لسببين: الأول، لأنه لا يوجد ما يمكن ان يخسره مع واشنطن والرياض ما دامت أبوابهما مقفلة أمامه، وبالتالي بما أنه غير مضطر إلى الموازنة بين المحورين قرر أن يلعب “صولد” مع محور الممانعة.
الثاني، لأنّه اعتبر أنّ نصرالله يمتحِنه، فإذا نجح يبرهن بأنه الأقدر على خلافة الرئيس ميشال عون، وأنه لا يوجد ما يخسره لا في شعبيته ولا في علاقته مع الرئيس سعد الحريري، بل هناك محاولة لتغطية خطوته الى سوريا من خلال إجراءات فولكلورية تعويضية، فلن يعود إلى بيروت، كما ذهب إلى دمشق من دون أي مكسب، وذلك عملاً بالمثل القائل “الإيد الفاضية مِجويّة”.
ولقاء نصرالله – فرنجية لا يندرج في سياق الـ6 و6 مكرر لناحية الموازنة بينه وبين باسيل، بقدر ما يندرج في إطار وضع فرنجية في أجواء المهمة التي كلِّف باسيل بتنفيذها، واختياره هذه المهمة بدلاً من فرنجية سَببه أنه قادر بشكل أو بآخر على كسر المراوحة في هذا الملف بفِعل وزنه النيابي والوزاري والشعبي، وكونه صهر العهد أو وليّه، وبالتالي طُلب من فرنجية أن يعطي الأولوية كعادته للخط والمحور وليس للتنافس والعداء الشخصي.
وقد حاول باسيل ان يسهِّل المهمة على نفسه عن طريق انتزاع تفويض حكومي، فتكون زيارته سالكة في الاتجاهين، ولكن “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” قطعا طريق الغطاء الحكومي الرسمي لزيارته، ما سيضطرّه للذهاب إلى دمشق بصفته الشخصية لا الحكومية.
والهدف المعلن للزيارة إعادة جميع النازحين وليس تسهيلات حدودية لا تتطلب زيارات رسمية، فضلاً عن أنه ليس من مهمته عقد اتفاقات اقتصادية أو غيرها. وأما محاولة تغطيتها برزمة تسهيلات فلن تنفع، خصوصاً أنها ستفشل في تحقيق المُبتغى الأساس منها، كون النظام لا يريد إعادتهم، ولا يستطيع تحمُّل كلفة عودتهم من دون دعم دولي – عربي.
وأن يقرر نصرالله أنّ الظروف الخارجية مواتية لـ”عودة العلاقات بين لبنان وسوريا إلى وضعها الطبيعي”، وأن يكلِّف باسيل تنفيذها، لا يعني بالضرورة أنّ هذا الهدف سيتحقق في حال تَمسُّك “المستقبل” و”القوات” و”الاشتراكي” بالموقف الرافض للتطبيع بمعزل عن سقف كل مكوّن من المكوّنات الثلاثة.
وأمّا الحد الثاني الذي يشكّل همّاً لـ”حزب الله”، فيتعلق بالعقوبات الأميركية التي تزعجه كثيراً وتطوّقه، وهذا ما يفسِّر انتقاله من احتوائها إلى مواجهتها، خصوصاً في حال توسّعها حيث أنّ ضررها سيتجاوز بيئته إلى إبعاد حلفائه عنه، وهذا ما دفعه إلى توجيه رسالة حول نيته التظاهر ضد المصارف إذا واصلت التزامها الحرفي الشروط الأميركية على طريقة “يِسواني ما يِسوى غَيري” أو “عليّ وعلى أعدائي يا رب”. وجلّ ما أراده في هذه اللحظة هو توجيه الرسالة التي تلقّاها المعنيون بالبريد المضمون قبل أن يسحبها على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، لأنّ الرسالة وصلت وهي بمثابة إنذار وفرصة أخيرة قبل أن ينفِّذ تهديده.
وكل هدفه من هذا الضغط أن يضع الدولة في مواجهة العقوبات لا الحزب، في ظل اقتناع أنّ واشنطن، وحتى إشعار آخر، تريد الاستقرار في لبنان لا الفوضى. وبالتالي، لماذا بنظره لا تستخدم ورقة الاستقرار كابتزاز للإدارة الأميركية أنها إذا لم تفرمل عقوباتها فإنّ لبنان يتجه نحو الفوضى.
وفي موازاة الحدّين المشار إليهما يعتبر محور الممانعة، ومن ضمنه “حزب الله”، أنّ سنة 2020 مصيرية من أجل ان ينتزع ما يمكنه انتزاعه، مُستفيداً من شَلل الرئيس الأميركي الذي تتحوّل أولويته إلى داخلية مع الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومن هنا لا يستبعد المراقبون أن تلجأ طهران إلى الحرب في حزيران المقبل، إذا لم تنجح قبل ذلك من عقد تسوية مع واشنطن ترفع عن كاهلها ضغط العقوبات القاتل، والهدف من الحرب طبعاً جَرّ واشنطن إلى طاولة المفاوضات في لحظة غير مواتية أميركياً.
وفي موازاة السيناريو الإقليمي لا يجب استبعاد سيناريو بصيغة لبنانية، مستفيداً أيضاً من الشلل الأميركي لتغيير رئاسي في لبنان يضمن من خلاله الحزب 6 سنوات إضافية، لأنه لا يستطيع وطهران انتظار الولاية الثانية لترامب المرجّح انتخابه مجدداً، وفي ظل عدم استبعاد أن يُقدِم في ولايته الثانية على شَن الحرب وقلب الطاولة إقليمياً، ومن هنا ضرورة استباق انتخابه بقلب الطاولة من قبل محور الممانعة في المنطقة ولبنان، خصوصاً انّ “الحزب” يعتبر أنّ انتخابات 2022 لن تكون لمصلحة حليفه المسيحي، وأنّ قلب الطاولة لبنانياً سيُمكّنه للمرة الأولى منذ عام 2005 من الامساك بمفاصل السلطة حكومياً ونيابياً.
ولكن ماذا عن مواجهة هذا السيناريو إذا كان واقعياً؟