كتبت سناء الجاك في صحيفة الشرق الأوسط:
حرص نواب ووزراء لبنانيون على احتلال مساحة الإعلام بحضورهم إلى المناطق اللبنانية المنكوبة بالحرائق على مدى الأيام الثلاثة الماضية، إلا أن الحضور الإعلامي لم يؤد غايته، إذ إن تصريحات غالبية هؤلاء انقلبت عليهم في وسائل التواصل الاجتماعي.
وأثار النائب في كتلة «لبنان القوي» الوزير السابق ماريو عون سخط اللبنانيين بتصريحه من منطقة الشوف التي كانت أحراجها تحترق، أول من أمس، عندما قال: «أريد أن أقول كلاماً طائفياً عن الحرائق وأن أطرح علامات استفهام كبيرة جداً كيف أن الحرائق لا تطال إلا القرى المسيحية»، ما استوجب ردوداً حادة وساخرة على ما قاله.
كذلك مرر زميله سيزار أبي خليل عبارة حمّل فيها وزارة الداخلية مسؤولية استفحال الحريق. وطالب وزير البيئة فادي جريصاتي بـ«إعدام» من يظهر تورطه في افتعال الحرائق، في حين سجل وزير المهجرين غسان عطا الله أعلى نسبة من جذب الاهتمام والتعليقات بعد طرده من أحد مراكز إغاثة المتضررين، ومن ثم تورطه على شاشة تلفزيون «الجديد» بمشادة مع النائبة بولا يعقوبيان واتهامها بأنها وصلت إلى البرلمان «بطرق غير أخلاقية»، ما استوجب غضب يعقوبيان وردها عليه بقسوة واصفة إياه بـ«المنحط» و«التيار الوطني الحر» الذي ينتمي إليه بأنه «تيار بلا أخلاق».
وبقي أداء السياسيين صورياً، سواء عبر تراشق الاتهامات أو دعوات المحازبين للمشاركة في إخماد الحرائق ومساعدة المتضررين. ورغم تمنع الحكومات المتلاحقة عن تثبيت عناصر الدفاع المدني في عملهم ومنحهم حقوقهم، فإن جهودهم جاءت مميزة إلى جانب أفواج الإطفاء والجيش اللبناني، فواجهوا الحرائق بتجهيزات وإمكانات متواضعة قياساً بحجم الكارثة، وتوفي أحدهم وهو سليم أبو مجاهد، خلال تأديته واجبه. وشاركت كوادر وأطباء جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» في لبنان ومتطوعو الإطفاء في المخيمات في عمليات إغاثة وعلاج المتضررين من الحرائق المندلعة في عدد من المناطق بالتنسيق مع القوى الأمنية اللبنانية والدفاع المدني.
وسُجل تضامن شعبي كبير بيّن مدى القدرة الأهلية على المبادرة الخاصة والاستغناء عن الدولة العاجزة حيال مثل هذه الكوارث. ففي مواجهة سلسلة الحرائق في مناطق المشرف والدبية والدامور ومناطق في عكار والمتن الشمالي والضنية وغيرها، شكّل هذا التضامن دعماً كبيراً للمتضررين، بعد نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ترجمت أفعالاً على أرض الواقع.
وأثمرت التحركات الميدانية عرض عدد من المواطنين منازلهم لإيواء من ليس لديهم مأوى آخر، كما نُظمت حملات لتأمين الحاجات الأساسية للعائلات كما لعناصر الدفاع المدني. ويقول الكاتب والأستاذ الجامعي في الفلسفة البيئية حبيب معلوف لـ«الشرق الأوسط» إن «على السياسيين أن يعملوا على خطط استباقية فعالة تمنع تحول الحرائق إلى كوارث طبيعية، وليس الاستنكار وتسجيل المواقف وتبادل الاتهامات واستغلال المآسي. فسلوكهم لا يتناسب ومعالجة مثل هذه الأحداث الطارئة».
وفي حين يشيد معلوف بجهود عناصر الدفاع المدني، يلفت إلى أن «هذا الجهاز أسس ليعمل في المدينة، لجهة هيكليته ومعداته وجهازه البشري. لكن تقصير الجهات المختصة دفع إلى الاستعانة بخدماته». وأوضح أن «الأحراج الباقية في لبنان هي رئته التي يتنفس منها. وهي تتناقص سنة تلو أخرى. والاستراتيجية التي وضعتها إحدى الجمعيات عام 2009 وأسفرت عن شراء الطائرات التي تبين أنها لا تصلح لمثل هذه الكارثة، غير كافية. وهي تتطلب بنوداً يجب ترجمتها بمشاريع قوانين وإجراءات وخطط طوارئ».
ولفت إلى أن «لا غابات مستعصية على إخماد الحرائق في لبنان. وبالتالي لا حاجة إلى الطائرات المعطلة. والمطلوب توفير حراس أحراج والتنسيق بين جهود وزارات البيئة والزراعة والعدل، بحيث عندما يفتح تحقيق بشأن افتعال حريق ما، المطلوب عدم طي الملف خلال فترة قصيرة، وإنما مراقبة ما يجري من استثمارات بعد فترة على الأرض المحروقة من منشآت تبين المسبب والهدف من حرقها».
وشدد على أن مأموري الأحراج الذين لم يتم تعيينهم لأسباب طائفية وحراس البلديات «قادرون على كشف الحرائق لدى اندلاعها، وحينها يكون إخمادها بسيطاً، أما عندما يمر الوقت تتحول الحرائق إلى كارثة بيئية. كما أن على وزارة الداخلية مراقبة البلديات التي تقع عمليات التشحيل (تقليم الأشجار) هذا الموسم ضمن مسؤولياتها، ما يحد من إمكانية تفاقم الحرائق وانتشارها».