كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:
برز منذ تفاعل «حزب الله» مع الحراك في الشارع على نحو واضح من دون إغفال التفاعل العفوي لجمهور مدني غير حزبي يتوزع في كلّ المناطق ناقماً على السلطة السياسية بكامل مكوّناتها. لكن مساهمة «حزب الله» تطرح في خضمّ الحراك المتصاعد تساؤلات عدّة أجاب عنها الأمين العام السابق لقوى 14 آذار فارس سعيد.
تشهد بيئة «حزب الله» حركة اعتراضية واسعة على فرض الضرائب، ويقول سعيد:»لا يمكن أن نتغاضى عن الجانب العفوي للحراك المرتبط بوجع الناس. لكن لا بد من الاعتراف بأنّ «حزب الله» أكثر فريق قادر على الاستثمار في هذا الحراك، لأنه الأقوى على الأرض، وهو يحاول أن يفرض أمراً واقعاً جديداً في لبنان ترجمة لكلام رئيس «التيار الوطني الحر» بالدعوة إلى قلب الطاولة، وربما سينتهي بتغيير النظام في لبنان أيّ إطاحة اتفاق الطائف وإعادة تنظيم الأوضاع السياسية على قواعد جديدة تصب في مصلحته».
يضيف:» بدأ تنفيذ هذه الخطة سابقاً من خلال تجاوز اتفاق الطائف بتكريس الثنائية المارونية الشيعية، وتهميش الطوائف الأخرى وإبعادها، لكن هذا الأمر لم ينجح في الماضي ولن ينجح الآن، بل أعطى نتائج سيئة».
ويرى سعيد أنّ «الحزب» جزء من منظومة إقليمية تتزعمها ايران وهو يشعر بالانتصار في سوريا والعراق واليمن، وصار مقتنعاً أنه آن الآوان لفرض أمر واقع جديد في لبنان من أجل تحسين ظروف المفاوضات أكان مع الغرب أو مع الجانب العربي، بدليل أنّ بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» أمس الأول تضمّن بنداً يدعو حكام المنطقة بعد اخفاقاتهم الى حوار أجدى من الطغيان، وأنّ التفاهم البيني أولى من التبعية للأجنبي، وأنّ التنمية المستدامة أفعل من السلاح المستورد للاستقواء الموقت ضدّ بعضنا بعضاً».
وعن أهداف «الحزب» في استغلال الشارع: «أعتقد أنه يحاول ايجاد أمر واقع يخرج فيه من حقق انتصارات في الانتخابات النيابية، وتحديداً «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي. ويقوم بتشكيل حكومة جديدة مع سعد الحريري بشروط يفرضها بالتعاون مع «التيار الوطني الحر».
لا قيادة سياسية واضحة ومعلنة لهذا الحراك، وفق تأكيد سعيد، كما كان في 14 آذار 2005 «وقتها كانت قيادة الحراك متمثلة بـ «لقاء البريستول» وتضم «قرنة شهوان» ووليد جنبلاط و»تيار المستقبل»، وكانت مدركة اتجاه الأمور والاجندة السياسية المحدّدة بنقاط واضحة، والبرهان أنها أخطأت وأصابت. أما اليوم فنطرح السؤال: من نحاسب؟ ومن يدير الحراك؟ وما هي المطالب؟ في الحقيقة كل من السياسيين يغنّي على ليلاه حتى الآن. جنبلاط يقول إنّ المطلوب استقالة السلطة بكل تراتبيتها ومن ضمنها العهد، جعجع يركّز على تغيير الحكومة فقط، وسامي الجميل يطالب باستقالة الحكومة وانتخابات نيابية جديدة، حتى أنّ الأحزاب السياسية غير متفقة على الأهداف تفسها».
لا يعتبر سعيد أنّ الفشل يقتصر على فريق أو مؤسسة دستورية واحدة، بل الفشل سببه التسوية السياسية التي انتجت المجلس النيابي والحكومة، وهذا الاداء الاقتصادي والمالي. ويوضح:»خطأ كبير المطالبة باسقاط رئيس الحكومة السني بالدواليب وعدم المطالبة باسقاط رئيس الجمهورية. المطلوب اسقاط كل أركان التسوية السياسية. فالأزمة ليست بالحكومة فقط، وكأنها مسألة سوء ادارة، انما الأزمة أبعد من سوء ادارة».
كيف يرى سعيد مواجهة استثمار «حزب الله» لهذا الحراك؟ يجيب هازئاً:»فليستقل الحريري وليسمح لـ»حزب الله» أن يشكّل حكومته، ولنرَ كيف سيحل الأمور مع صندوق النقد الدولي ومصرف لبنان ووزارة الخزانة الاميركية والعقوبات. الفرقاء السياسيون ذهبوا إلى تسوية لبوا فيها الشروط السياسية للحزب مقابل أن يسمح لهم بالماء والكهرباء. لكن في الواقع أخذ منهم ما يريد ولم ينالوا ايّ مكسب إنمائي واقتصادي».
ويلفت إلى انّ «الأسباب نعرف جزءاً منها ولا نعرف أجزاء أخرى تتعلق بنفوذ ايران في المنطقة وطبيعة المواجهة مع الاميركيين، يريد الحزب أن يضع يده بالكامل على السلطة، وربما لم يعد راضياً ان تفرض عليه عقوبات وحده ومن دون مواجهة، انما يحاول أن يرسم حدوداً جديدة بين نظام مصلحة المالية للبنانيين ونظام مصلحته الخاصة».
ويختم سعيد:»ثمة إحراج كبير للحريري الذي قد يستقيل مع فتح نقاش بشروط وقواعد مختلفة لتأليف حكومة جديدة من دون «القوات» و»الاشتراكي»، أو ربما إعادة خلط الأوراق وتشكيل حكومة تكنوقراط».