كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
هل تدخل البلاد في الفوضى أم أنها دخلتها بالفعل؟ سؤال فرضته وقائع الأمس، على إثر اقرار الحكومة إصلاحات وسّعت حركة الاحتجاج في الشارع بدلاً من امتصاص غضب الناس التي رفضت الورقة الاصلاحية قبل أن تطّلع على تفاصيلها.
وعلى الرغم من أن الورقة أُقرت في مجلس الوزراء فإن الانطباع العام الذي كان سائداً بالأمس أنها لم تكن كافية. كان المطلوب قرارات جذرية وجريئة كتغيير وجوه وزارية هي موضع شكوى الجمهور بصرف النظر عن أحقية المطلب أو استقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط. غالبية القوى السياسية قالت أمس “كان المطلوب خطوات أكثر جرأة”.
من حسنات جرعة المهدئات التي قدمتها الحكومة اقرار موازنة بعجز صفر بالمئة، من دون ضرائب ولكن أسئلة كثيرة واستفسارات تطرح حول البنود الاصلاحية التي أقرت في غضون أقل من 72 ساعة، بعدما عجزت الحكومة عن إقرارها على مدى 3 سنوات. أعجوبة مرتبطة حصراً بفهرس السياسة اللبنانية وزواريبها.
يمكن النظر إلى ما أعلن عنه رئيس الحكومة سعد الحريري في سياق ورقة الحكومة الاصلاحية على أنها خطوة ايجابية تستحق عليها الحكومة فرصة على سبيل اثبات حسن النية، لكن من وجهة نظر اقتصادية لأهل الاختصاص فهي “خدعة ووهم مبني على تحميل مصرف لبنان 4500 مليار وفرض ضريبة دخل إضافية على المصارف التي اعتدنا على تفوقها على الدولة، والرابح الأكبر فيها للفساد لا سيما في موضوع الكهرباء، حيث أن تخفيض عجز الكهرباء من خلال وضع سقف 1500 مليار ليرة هو وهم ايضاً حسب التجارب السابقة، حيث تمّ تحديد سقف 2100 مليار ليرة في موازنة 2017 و 2018 وجرى الانقلاب على هذا السقف ورفع الدعم إلى 2742 مليار ليرة. والخوف هو أن تفتح ورقة الاصلاحات الحكومية الباب واسعاً لنهم القطاع الخاص وطمعه باستغلال ونهب المزيد من المرافق والموارد العامة”.
أما سياسياً فثمة قراءة في حسابات الربح والخسارة لما حصل لا بد من استعراضها. فقد أظهر رئيس الجمهورية ميشال عون تماسكه والوزير جبران باسيل. لم يبد أية ردة فعل، واستوعب مشهد اعتراض الناس. وبدا الحريري مرتاحاً للغاية وتمكن من الظهور بمظهر الضحية ليقول للناس في الشارع إني حاولت في السابق وما استطعت، وبفضلكم اليوم أنجزت ما أريد، وإنه وافى الناس إلى مطالبهم وإنه قدّم إلى المجتمع الدولي الاصلاح المطلوب منه. حقق الحريري إلى المكسب المعنوي مكسباً آخر يقوي موقفه في الحكومة، بحيث أن حكومته أقرت ورقته الإصلاحية التي يمكن أن تصبح ورقة ضغط في يده على العهد والآخرين عند أي مفترق أو خلاف، ليحمّلهم مسؤولية الفشل في التنفيذ.
أما “حزب الله” المطلوب محاصرته من خلال التضييق على العهد وإحراجه داخل بيئته، فبيّن أنه “أم الصبي” حامي تسوية الثنائي عون – الحريري ويريد أن تنتهي الأزمة إلى الإلتزام بالثوابت التي وضعها أمينه العام السيد حسن نصرالله من دون زيادة أو نقصان.
وعلى عكسه تماماً، الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي لا يتجاوز سلوكه “المزايدة”، حسب مصادر سياسية لأنّ النائب السابق وليد جنبلاط رضي بالبقاء ممثلاً في الحكومة وهو سيستمر حكماً، رغم النبرة العالية لمواقفه أمس الأول. خلال جلسة مجلس الوزراء حاول وزير الصناعة وائل ابو فاعور مرات عدة استفزاز وزير الخارجية جبران باسيل ما دفع الحريري الى سؤاله: “شو بك؟”، ليجيب: “مستعجل وبدي روح”. وليعلن بعدها أنّ أي جهة لم تقدم ورقة إصلاحية غير “الاشتراكي”. سلوك فُسّر من قبل البعض برغبة جنبلاط في الفوز بجنّة الناس والمعارضة مع البقاء في جنّة الحكومة. عملياً رفض “الاشتراكي” الجلوس مع باسيل على طاولة مجلس الوزراء لم يهتم إليها “الوطني الحر”، الذي اعتبر حسب مصادره أن شرعية باسيل النيابية والشعبية لم يستمدها من أي طرف.
واذا كانت الورقة الإصلاحية أقرّت فماذا عن وضع الحكومة وهل تستمر في أجواء متشنجة؟ حسب مصدر سياسي “إنّ تعديل الحكومة رهن قرار رئيسي الجمهورية والحكومة، أما الاستقالة فهي لا تبدو واردة ورئيس الحكومة لا يعتبر أن المشهد في الشارع موجّه ضدّه تحديداً، بل على العكس فإن جمهوره يحميه في قراراته”.
والجمهور نفسه استمر في حركة احتجاجه وبكثافة ولكن الناس الموجودة في الساحات ذهبت إلى معارضة الورقة الاصلاحية تلقائياً حتى قبل أن تسمع أو ترى تفاصيلها. كان المطلوب إسقاط باسيل والحكومة ومجرد أن هذين المطلبين لم ينفذا زادت أعدادهم في الشارع. والمخيف وفق المتابعين، أن التحرك عشوائي لا يرأسه قائد ولا خطة واحدة يجتمع المحتجون عليها… تبدأ مطالبهم من معاملة إدارية ولا تنتهي بسقوط النظام.