كتبت راكيل عتيق في صحيفة “الجمهورية”:
من الشمال إلى الجنوب، ساحلاً ووسطاً وجبلاً، بصوتٍ واحد يصرخ المتظاهرون من كلّ الطوائف والانتماءات والأعمار: «كلّن يعني كلّن». الشعب يريد إسقاط الطبقة الحاكمة برمّتها من دون استثناء. فبالنسبة إلى أكثر من مليون لبناني يفترشون الطرقات، عدا الذين لم يتمكنوا من النزول الى الشارع، إضافةً الى اللبنانيين المتظاهرين في كلّ دول العالم: «كلّهم سرّاقون، ليعيدوا الأموال المنهوبة ويرحلوا». وعلى رغم هذه النقمة الواحدة الجامعة والشاملة، إلّا أنّ لكلّ فئة نقمة خاصة إضافية على من تعتبرهم «زعماءها» أو ممثّليها.
النقمة الشمالية الممتدة من عكار الى الضنية والمنية وصولاً إلى طرابلس على رئيس الحكومة سعد الحريري ليست مفاجئة، تحديداً في طرابلس، بل ظهرت عملياً في الانتخابات النيابية عام 2018. وإضافةً الى نقمة الثائرين في ساحة النور على العهد والحكم… عبّر كثيرون عن عتبهم على «الشيخ سعد». عتب «على قدّ المحبة». أحدهم يقول: «دمنا فدا الشيخ سعد لكن دماءنا نشّفت… ما عاد فينا نتحمّل».
حسب البنك الدولي، إنّ طرابلس المدينة الأكثر فقراً على ساحل البحر المتوسط. ثاني أكبر مدينة في لبنان بعد بيروت والتي يصل عدد سكانها إلى 500 ألف، يعيش 60 في المئة منهم ضمن ظروف صعبة، وترتفع النسبة الى 80 في المئة في بعض الاحياء، فيما تصل نسبة الذين يقبعون تحت خط الفقر، أيذ الذين يعيشون بأقل من دولارين يومياً، الى نحو 23 في المئة من السكان. وقد تعدّت نسبة البطالة في المدينة أكثر من 35 في المئة. وإلى الطرابلسيين، يسكن في عاصمة الشمال أفراد وعائلات كثيرة من عكار والضنية والمنية… إضافةً إلى أعداد كبيرة من النازحين السوريين منذ بدء الأزمة في سوريا عام 2011، والذين ينافسون اللبنانيين في معظم قطاعات العمل المتوافرة في المدينة.
دائرة طرابلس – المنية – الضنية حسب قانون الانتخاب الذي اعتُمد في 2018، تُعتبر خزان تيار «المستقبل». وعلى رغم أنّ طرابلس فرزت تاريخياً رؤساء حكومات وزعامات سنية كبيرة، إلّا أنها والت الرئيس الشهيد رفيق الحريري ثمّ نجله سعد منذ عام 2005، وأيّد «المد السني» سياسة 14 آذار في وجه «حزب الله».
وفضلاً عن قانون الانتخاب النسبي، أثّرت التسوية السياسية الرئاسية التي أجراها الحريري عام 2016 و«المهادنة» مع «حزب الله» على تصويت الشماليين، ولاسيّما الطرابلسيين. «ضُعف» الحريري أمام «الحزب» أضعف موقع الطائفة السنية في لبنان، على ما يعتبر كثيرون، وأدّى الى خسارة رئيس «التيار الأزرق» ثلث المقاعد النيابية التي فاز بها في انتخابات 2009. وكانت خسارته مقاعد سنية في طرابلس وبيروت بارزة، إذ إنّ المدينتين كانتا تعتبران معقلين له.
في طرابلس تتعدّد أسباب النقمة:
- التنازل والرضوخ لـ«حزب الله» منذ أحداث أيار 2008، خصوصاً أنّ هذه الأحداث إضافةً الى الشحن الطائفي أدخلت المدينة في معارك بين أبناء المنطقة الواحدة استمرت 6 سنوات، وانتهت عام 2014 مخلّفة قتلى وجرحى وسجن عدد كبير من الذين شاركوا فيها، فضلاً عن الدمار وتشويه صورة المدينة.
- التسوية الرئاسية والتحالف مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «المغضوب عليه».
- انفراط حركة 14 آذار.
- التحالفات الانتخابية.
- النقمة على نواب التيار ووزرائه.
- عدم دعم الثورة السورية عملياً.
- خسارة الدعم السعودي.
- عدم إقرار قانون العفو عن المعتقلين الإسلاميين.
- غياب المشاريع الإنمائية والاستثمارية وفرص العمل.
- الوضع المالي الشخصي للحريري الذي قلّص المساعدات التي يقدمها «التيار».
- الوعود الكثيرة والأفعال القليلة.
سياسياً، كان الحريري يمثّل توجهات السنّة، خصوصاً الطرابلسيين. ورداً على قول المتظاهرين للحريري: «يا ريتك رجّال متل بيّك»، تذكّر مصادر «المستقبل» أنّ «الرئيس رفيق الحريري استشهد. فهل يريدون من سعد الحريري الانتحار؟»، مشيرةً إلى أنّ «الطرف الآخر يملك قدرات إقليمية ومالية والقدر الكافي من الإجرام الذي أجبر قوى 14 آذار ومن ضمنها تيار «المستقبل» على الوصول الى وضع الهزيمة».
يتفهّم المستقبليون الثورة الطرابلسية، ويقولون: «نعم فشلنا ولكننا نواجه بالصدور العارية». ويضيفون: «ماذا كان الخيار البديل من التسوية؟ لا حلّ آخر إلّا المعارضة. لو عارض الرئيس الحريري، هل كان بإمكانه تحقيق أيّ شيء لطرابلس أو للبنان؟». ويوضحون: «دخل الرئيس الحريري في التسوية على أمل الإنقاذ وتنفيذ مشروع «سيدر». لو سمحوا له بتطبيقه لما شهدنا ما نراه الآن من نقمة شعبية».
أما بالنسبة الى نقمة أهالي الموقوفين الإسلاميين، فتشير المصادر إلى أنه «تمّ تكليف محامين لمتابعة قضاياهم على نفقة التيار على مدى سنوات، وتمّ العمل جدياً على إخراج العشرات منهم الذين كانوا مظلومين».
وإذ دأب قياديون في «المستقبل» في تكرار أنّ «العفو العام»، مرتبط بمجلس النواب، ولا احتمال للتصويت على القانون، لأنّ الطرف الآخر ربطه بأمور كثيرة وأهمها آلاف المطلوبين من تجار المخدرات في البقاع»، أعلن الحريري أمس بسحر ساحر أنّ هذا القانون سيُقرّ قبل نهاية السنة.
على الصعيد الإنمائي – الاقتصادي، تؤكّد المصادر أنّ «كمية المال الشخصي التي صرفها الحريري في الشمال وطرابلس من أسباب الوضع المالي الذي وصل إليه. فساعد كثيراً في أقساط المدارس والجامعات والدخول الى المستشفيات… الى أن وصل إلى وقت لم يعد قادراً».
سياسة المساعدات والخدمات الشخصية هذه بدلاً من المشاريع الإنمائية وتثبيت الدولة في طرابلس انقلبت على صاحبها، يقول البعض. ورداً على ذلك، توضح مصادر «المستقبل» أنّ «كلّ من رفيق وسعد الحريري نفّذ مشاريع عامة بمليارات الدولارات في طرابلس والشمال، من طرقات ومدارس… أمّا تحريك الاقتصاد فيحتاج الى بيئة والاستقرار هو الذي يجذب الاستثمار. وطرابلس لم تستقرّ إلّا قبل 4 سنوات».
وأليس تيار «المستقبل» من مسببي عدم الاستقرار في المدينة، خصوصاً خلال «معارك المحاور»؟ يجيب المستقبليون: «المسلحون كانوا يشتموننا، ولام المسلحون «التيار»، لأنه لا يعطيهم سلاحاً… أما أسباب عدم الاستقرار وتوصيف المدينة وكأنها قندهار فيعود الى تراجع القيم الليبرالية منذ الحرب الأهلية، وبروز «حركة التوحيد الإسلامي» واحتلال النظام السوري الذي عزل المدينة عن كلّ البلد، ونشوء الحركات المتطرفة التي تكرهنا وتعتبرنا كفاراً».
وإذ يشيرون إلى أنّ الحريري كان يحضّر مشروعاً خاصاً كبيراً لطرابلس من خلال زيارته الأخيرة الإمارات، وذلك بتفعيل المنطقة الاقتصادية بدءاً بمبلغ 350 مليون دولار، التي تؤمّن آلاف فرص العمل»، يقولون: «الطرابلسيون غاضبون ولن يصدقونا إذا تكلمنا على هذا المشروع الآن، وسيعتبرونه محاولة لتغطية «السموات بالأبوات».
ويؤكدون أنّ الحريري «لم يكن أمامه إلّا خيارات صعبة. راهن على أحد الخيارات، ومن حقّ الناس أن تحاسبنا في الانتخابات النيابية».