كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لليوم السادس على التوالي يستمر الاقفال الطوعي للمصارف في انتظار استتباب الأوضاع العامة في البلاد. إجراء احترازي لجأت إليه جمعية المصارف بسبب الأجواء السائدة وحركة الاحتجاجات الشعبية المتزايدة في الساحات. لا قرار ولا مهلة محددة بعد لعودتها الى العمل. قرارها “كل يوم بيومه” وهو رهن الأوضاع في الشارع وفتح الطرق. لكن لا يمكن لهذا الإجراء أن يطول لحاجة لبنان الى حركة استيراد مواد غذائية وأدوية ومواد أولية وغيرها وهذه مرتبطة بحركة التحويلات المالية ما ينذر بتفاقم الأزمة.
ومن شأن الإقفال إرجاء الانهيار المالي ومنح الحكومة الفرصة لاتخاذ التدابير اللازمة والاجراءات لضبط الاوضاع المالية ريثما تعيد المصارف فتح ابوابها. يجب النظر إلى مسألة الاقفال من ناحيتين: المشكلة النقدية والتحويلات الرقمية. مجرد فتح المصارف أبوابها سيضع لبنان أمام مشهد غير قابل للاستيعاب نتيجة القلق الموجود عند الناس وغالبية المودعين قد تلجأ إلى سحب أموالها أو تحويلها ما سينعكس سلباً على حركة السحوبات وتداول الدولار الذي قد يبلغ حينها معدلات ارتفاع لا يمكن السيطرة عليها.
ولا يمكن للمصارف أن تمنع أي مواطن من سحب ودائعه أو تحويلها. هذا المواطن الذي كان حتى الأمس القريب يطمئن لوجود أمواله في المصرف، بات يساوره القلق والشكوك حول ما إذا كان هذا المصرف هو المؤتمن على أمواله أم أن ودائعه تحولت إلى مجرد سلسلة أرقام على ورقة. ولو أن الاقفال في واقع الأمر يحمي أمواله عملياً.
ورغم ذلك فإنّ أكثر من تضرر نتيجة الأزمة هو القطاع المصرفي الذي اضطر الى اتخاذ اجراءات احترازية بالاتفاق مع مصرف لبنان اعتبرها المواطن تضييقاً عليه وشروطاً مسبقة أو ممارسة رقابة على مصاريفه كالحد من استهلاكه بالعملات الاجنبية أو تحديد سقف سحوباته اليومية وما إلى هناك. ولو تركت الحرية للمودعين لكانت غالبيتهم فضلت سحب أموالها ووضعها داخل خزانة في المنزل على أن يحجز عليها المصرف ولو بشكل غير مباشر وتقنين مصاريفها. ومن الجدير ذكره هنا هو ارتفاع معدل بيع التجار لخزنات المنازل بشكل فاق التصور ما يعني أن المواطن بات يفضّل أن يحفظ ماله على طريقته من دون فوائد على أن تتحول أمواله الى مجرد رقم على ورقة.
ويمكن لمصرف لبنان أن يلعب دور الاطفائي في الحد من الأزمة المالية عند اعادة فتح المصارف أبوابها امام المودعين بحيث يوفّر للسوق والمصارف كمية من الدولارات أو يتخذ تدابير تحد من الطلب على الدولار وتلجمه. خصوصا أن الاقفال حصل بالاتفاق بين حاكمية المصرف المركزي وجمعية المصارف والتي هي على تواصل مستمر لمتابعة الوضع المالي لا سيما في ظل الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار والذي حجبت اخباره بفعل الحراك الحاصل في الشارع علماً ان السعر المتداول لصرف الدولار في الشارع ليس أقل من 1700 ليرة.
وفي حين تستمر المصارف بضخ أجهزة الصرف الآلي بالأموال اللازمة. طمأنت مصادر معنية الى أن وزارة المالية حوّلت كل رواتب ومعاشات المتقاعدين وكل موظفي القطاع العام الى مصرف لبنان لتحويلها الى المصارف وتمكن أصحابها من سحبها عبر أجهزة الصرف الآلي ATM.
ولن تكون المصارف ذاتها بمعزل عن سلبيات الازمة، فالمصارف هي كالتاجر في نهاية المطاف ولها حركة تحويلات وبيع مالي وعمليات مصرفية تحقق من خلالها أرباحاً هائلة ومصاريف كبيرة، ولو أن هذه الخسائر مهما بلغ حجمها ستكون بالتأكيد أدنى من الأرباح التي حققتها من الدولة وعلى حساب جيب المواطن طوال ثلاثين عاماً الماضية.
ولكن مع عودة المصارف إلى فتح أبوابها يطرح السؤال الملح كيف ستتعامل هذه المصارف مع أموال المودعين؟ وهل ستلبي طلباتهم وتمنحهم حق التصرف بأموالهم تحويلاً او سحباً او ستكون هناك عملية قوننة وتفرقة في التعاطي بين المودعين، بحيث تمنح هذا او ذاك، وتحجب عن آخرين كصغار المودعين مثلاً؟