كتبت جنى جبّور في “نداء الوطن”:
قد يكون مشهد محاولة فتح الطرق الذي تكرّر في أكثر من منطقة، ناتجاً عن الضغط السياسي على قائد الجيش جوزاف عون الذي بات بين سندان توجهات السلطة السياسية ومطرقة التماهي مع المتظاهرين. أمّا التدافع الذي حصل مع المحتجين فأتى تنفيذاً لأوامر السلطة، ولكن من دون استعمال القوة القصوى، وكانت الرسالة واضحة لها: “هل تستطيعون تحمل إراقة الدماء؟”.
الأوامر كانت واضحة أمس. وجوب فتح الطرق في المناطق اللبنانية. حاول الجيش تنفيذها، إلى حين تصادمه مع المحتجين الذين رفضوا الخروج من الشارع، والإبقاء على الاحتجاجات السلمية. حاول الجيش مراراً وتكراراً، من دون نتيجة، منعاً للاشتباكات الجدّية مع المحتجين بحسب ما أكدّ مصدر أمني رفيع لـ”نداء الوطن”.
إثر ذلك، حالات كر وفر سيطرت على شوارع “الانتفاضة”، وشهدت الطرق البحرية زحمة سير خانقة، فقرر مواطن في “نهر إبراهيم” إطفاء سيارته والخروج منها، هاتفاً للمواطنين العالقين في سياراتهم: “عم يبعتوا العسكر علينا”؟ عودوا الى منازلكم أو تفضلوا واحتجّوا معنا، لبنان هو بلدكم أيضاً”. فامتثل البعض لكلامه وعادوا أدراجهم، بينما قرر البعض الآخر البقاء ومحاولة المرور مع بدء قرع أجراس الكنائس في المنطقة. تزامناً، قطعت الطريق على أوتوستراد حالات مقابل أفران “شمسين” بمستوعبات النفايات المشتعلة.
في البترون، حضر الجيش بشكل كثيف عند جسر مستشفى البترون. حالات استنفار ومفاوضات عدّة جرت بين الجيش والمحتجين الذين حضروا بكثافة الى مكان الاحتجاج، وهدد أحدهم بحرق سيارته منعاً لفتح الطريق. وفي هذه الاثناء، حضر المونسينيور بطرس خليل وألقى كلمة أعلن فيها وقوفه الى جانب المتظاهرين واستمرار الثورة حتى النهاية. وسُجلت استفزازات من قبل مناصري “التيار الوطني الحر” سرعان ما تمت معالجة الموضوع من مسؤول المنطقة والجيش اللبناني. ويشير أحد الموجودين الى أنّ “حجم التظاهرة الكبيرة في البترون أزعج الوزير جبران باسيل، ويحاول الضغط بجميع الوسائل لوقفها”. بعدها انتهت المفاوضات مع الجيش وتقرر ابقاء المحتجين في الشارع بطريقة سلمية شرط تسهيل مرور القوى الامنية والحالات الطارئة.
على مدخل عمشيت الشمالي باتجاه جبيل تجمع عدد من الآليات العسكرية. ومع إنتشار خبر محاولة فتح الطرق من قبل الجيش، بدأت الاعداد تتوافد بشكل كبير الى ساحة الاحتجاج في جبيل، رغم الأمطار التي بللت أعلامهم ولافتاتهم. مع الاشارة، الى قيام المنظمين بتوزيع المعاطف الواقية من المطر على الموجودين.
وجوه جديدة لم تكن موجودة في الايام السابقة حضرت بعد شعورها بالاستفزاز اثر محاولة فتح الطرق بالقوة، على حد تعبيرهم. وعلى وقع كلمات أغنية الموسيقار الراحل ملحم بركات “يا منموت كلنا وبينتهي الوطن، يا منكون رجال وبيبقى الوطن” صفق المحتجون بفرح واضح وعزيمة تؤكد بقاءهم في الشارع.
إمرأة حامل، تقف في يدها مظلة تغني النشيد الوطني اللبناني وتقول “استفزني ما حصل من محاولة فتح الطرق، وهذا اليوم الاول الذي اشارك فيه رغم حملي، لا بل من أجل مولودي، فأنا اريد أن يعيش في وطنه بظروف أفضل من التي عشتها”. ويعلق أحد المحتجين على تدخل الجيش لفتح الطرق: “يستعمل الجيش حالياً تكتيك الرئيس السابق ميشال سليمان عندما كان قائداً للجيش خلال تظاهرة “14 آذار”، ويبدو أنّ قائد الجيش الحالي جوزاف عون إستوعب الدرس جيداً ولا يريد اغراق نفسه بصدام دامٍ مع المحتجين يتمناه البعض لغاية في نفس يعقوب”.
جبيل… “تسلم يا عسكر لبنان”
على عكس المناطق الأخرى، لم يحاول الجيش فتح الطريق في جبيل. على الاثر، تجمع المحتجون وفي يدهم ورود حمراء وبيضاء. توجهوا الى عناصر الجيش اللبناني الموجودين في المكان على وقع أغنية “تسلم يا عسكر لبنان” وقدموا لهم الورود، وقبلوهم، وغنّوا لهم “هيلا هيلا هيلاهيلاهو… جيشنا اللبناني منحبو”، فبادلهم العناصر بنثر الورود عليهم.
من جهته، أوضح أحد المنظمين في جبيل جيسكار حرب لـ”نداء الوطن” أنّ “الناس توجهوا في الوقت نفسه الى ساحة الاحتجاج عكس الايام السابقة حيث كانوا يحضرون شيئاً فشيئاً الى المكان. أمّا اليوم وخلال نصف ساعة حضر أكثر من 2000 شخص دفعة واحدة”. وتابع “الجيش أهلنا، ونحن في الشارع من اجلنا وأجله، ونحن هنا بحمايته وبالطبع لن نقف في وجهه. ونعرف جيدّاً أنه ينفّذ الأوامر ولكنه ضمنياً يؤيد مطالبنا من دون أن يستطيع التعبير عن رأيه. كذلك، لن يخرج الشعب من الشارع قبل تحقيق مطالبه. وفي ما يخص شائعات تمويل هذه الاحتجاجات أو أخذ المال مقابل مرور البعض، فنحن نعرف مصادر هذه الأقاويل التي تهدف الى تخريب الثورة”. ولفت الى أنّه “تم خلق “غروب” على “الواتسآب” للتنسيق مع المحتجين في جميع المناطق اللبنانية”.