كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
بالعصي حاول “شبّيحة” جهة حزبية انهاء اعتصام ثورة الشعب التي تطالب بحقوق الناس، فالفقر لا يبعد سوى أمتار عنهم. بهمجية هجموا بالمئات، حاملين العصي على متظاهري النبطية المحتشدين أمام سراي المدينة الحكومي الذي تحول الى ساحتين واحدة تهتف “الله ومقاومة ووطن” واخرى: “الله هيهات منا الذلة”، وغاب عن بالهم أن الفقر ذلة، الجوع ذلة، القهر والحرمان ذلة.
اكثر من سبعة جرحى هي حصيلة الاعتداء السافر الذي تعرض له مواطنون ذنبهم أنهم حضروا بوجعهم إلى ساحة الاعتصام ليطالبوا بطبابة وضمان شيخوخة وتعليم مجاني وطرق وحل لأزمة النفايات، ودفع فاتورة مياه واحدة وكهرباء واحدة وليس اثنتين، لكن العصا كانت لهم بالمرصاد في مسرحية خوف واضطهاد مورست على أبناء وطنهم. منعوا الهواتف من تصوير ما يحصل، خوفاً من عملهم “المعيب” الذي ألحق الأذى بعجوز نالت نصيبها من عصا “الشبّيحة”، وتم ضرب صبية صرخت بأعلى صوتها “الإمام الحسين علمنا الثورة ورفض الظلم والاضطهاد وهم لا يمتّون للحسين بصلة”.
كان يراد للاعتداء أن ينهي مظاهر الاعتصام، لكن حسابات بيدرهم لم تساو حصاد شعب أراد أن يتحرر من كل عبودية السلطة، فهتف مجدداً “خلي الغضب يخبر”، كان الغضب بادياً على وجوه المتظاهرين: ماذا يحصل ولماذا؟ وهل حقوقنا ليست حقوقهم؟
عند الثالثة عصراً، انفجر المشهد في النبطية، فعلى رغم أن العين كانت على دوار كفررمان باعتبار أنه بوصلة “الثورة” والساحة الوحيدة المغلقة بالسواتر، الا أن الخبر جاء من النبطية، عن “تجمع لشبان باللباس الاسود يحملون العصي هاجموا بكل حقدهم الاعتصام، وفرقوا شمل المحتجين، أرعبوهم، ذلّوهم، وسقط 7 جرحى”، وفق احدى المتظاهرات، ويقول محمود إنه شاهد كيف تم ضرب فتاة بالعصا وتكسير هاتفها، ومصادرة هاتف أخرى، بغضب تقول فاتن “مش مصدقة شو يلي صار، معقول… هيدول مش ناس”.
تغيرت هوية المشهد، رسم الحراك هوية وطنية جديدة، تدخّل الجيش أعاد تفريق الجميع ووقف سداً في وجه التظاهرتين، ففيما كان هناك من ينشد كلنا للوطن، كانوا يهتفون “بالروح بالدم… نفديك…”.
تخطيط التجّار
وفق المعطيات ان الهجوم المباغت اتى على خلفية طلب تجار النبطية فتح الطريق، لتأثر الحركة التجارية بسبب التظاهرة، وانهم تقدموا بطلب لدى البلدية ورغم المفاوضات مع المعتصمين فانهم أصروا على البقاء، ما أدى الى الانفجار بثورة بركان اطاحت كل معايير الانسانية والوطنية. وفيما كان الجيش يمسك بزمام السيطرة على الساحة، كانت العين مشدودة على ساحة كفررمان، التي قد تصاب باللوثة الغاضبة نفسها، وقد تُنتهك حرمة الاعتصام السلمي.
واشار مصدر أمني إلى أنه “جرى الاتفاق على فتح مسرب طريق لسيارة على أن يتم حشر المعتصمين في زاوية قرب السراي مع سواتر حديدية، وهذا ما حصل مساء حيث تحول المشهد الى ساحتين وتظاهرتين يفصل بينهما الجيش الوطني”.
الهواجس سيطرت على نفوس المتظاهرين في النبطية التي قد تنفجر مجدداً، فأحد لن يرضى أن يهان أو يرتهن مجدداً، ناهيك عن تبدل معايير اللعبة، فهناك قرار بفض الاعتصام وفتح الساحات وهذا ما يرفضه معتصمو كفررمان الذين بدا نهارهم متشنجاً، فالأخبار الواردة من الساحة الأخرى لا تبشر بالخير، ومع ذلك يلتزم الجميع لغة الصمت على غير عادتهم، فالهتاف بدا شبه خجول، وخوفاً من اسقاط ثورتهم في أيدي زعماء السلطة. ويؤكد فراس “ضرورة عدم الرضوخ” ولن يتنازلوا عن مطالبهم، فيما يعتبر يوسف أن “صراخ الشارع آلمهم فيريدون تضميد فشلهم وفسادهم”، بينما ترى ريما أن “سقوط الشارع يعني سقوط الثورة وهذا لن يتحقق مجدداً ويعني انهيار قرار الشعب”. غيّرت العصي مسار لعبة الشارع، فرضت هيبتها للحظة قبل ان يستعيد المعتصمون زمام الساحة ويهتفوا “ثورة ثورة ثورة”، ولكن هل سيواصل “شبّيحة السلطة” الاعتداء باستمرار على حراك زعزع فسادهم؟ كل المعطيات تشير إلى أنهم سيحاولون إخراج المعتصمين بالقوة وما حصل في النبطية سيشهده مفرق كفررمان وإن تبدلت الجهة، فكيف ستكون ردة فعل الشارع؟ هنا مربط الفرس.