“شو قال الرئيس؟”… هو السؤال الأكثر تداولاً بين الناس بالأمس ليس ممن هم لم يسمعوا خطابه بل ممن سمعوه ولم يفهموا ماذا حمل من جديد في كلامه بعد طول صمت. الجميع أجمع (إلا العونيون طبعاً) على أنّ خطاب رئيس الجمهورية ميشال عون لم يكن على قدر طموحات الثائرين بل جاء بمثابة خطاب أقل من عادي في مرحلة أكثر من تاريخية تحاكي مصير البلد ومستقبل مواطنيه المنتفضين على الطبقة الحاكمة وفسادها.
وعلى قاعدة “ولى زمن المكابرة” جاءت ردود الفعل الشعبية على خطاب بعبدا باعتباره لم يلامس جوهر المشكلة إنما حاول الالتفاف عليها والتصويب على عدم وجود مطالب محددة لدى المتظاهرين ولا ممثلين معيّنين لهم لتحاورهم السلطة. أما عبارة “بات من الضرورة إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي”، التي اعتبرت العبارة المفيدة الوحيدة في الخطاب، فجاءت بحد ذاتها فضفاضة وحمّالة أوجه، وإن اتجه أغلب الظن نحو ترجيحها كفة جنوح عون نحو فكرة التعديل الوزاري التي لاقاه عليها كل من رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، لكنها لا تزال تصطدم حتى الساعة بما يشبه “الفيتو” الذي يرفعه “حزب الله” في وجه أي تغيير حكومي تحت ضغط الشارع توجّساً من ترجمته انكساراً للعهد الذي يرعاه الحزب والذي إذا ما بدأ على الحلبة الحكومية قد ينسحب إلى ميادين مطلبية أخرى تشمل سيادة الدولة وحصرية السلاح بيدها.
إذاً، وبينما أفادت المعلومات المتوافرة لـ”نداء الوطن” أنّ تصورات وأفكار عدة جرى تداولها خلال الأيام الأخيرة حول مسألة التعديل الحكومي الذي يحاكي استعادة ثقة الناس، فإنها سرعان ما اصطدمت بفرملة “حزب الله” وعدم حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري وسط مساعٍ يقودها أيضاً رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل داخل أروقة قصر بعبدا لضرب جوهر أي تعديل حكومي جذري يتهدد مقعده الوزاري.
وفي هذا المجال، نقلت أوساط مواكبة لهذا التوجه الرافض للتغيير الحكومي لـ”نداء الوطن” أنّ “حزب الله يعتبر الوضع الراهن حساساً وآفاقه “غامضة جداً” لذلك هو لا يزال يحاذر الخوض في أي تغيير في الحكومة الحالية على أساس أنها تشكل البيئة السياسية الحاضنة للحزب وبالتالي لن يخاطر بخسارتها. في حين كشفت معلومات موثوقة لـ”نداء الوطن” أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عمد إلى تنسيق الموقف إزاء المستجدات مع باسيل وأجرى معه اتصالاً هاتفياً مساء أمس الأول لهذه الغاية.
وفي الغضون، بدأ “الشارع المضاد” للثورة يأخذ أبعاداً جديدة في تزخيم تحركاته على الأرض تحت شعارات متعددة، بعضها يعمد إلى التجييش ضد المتظاهرين بوصفهم “مخرّبين” كما وصفهم المجلس السياسي في “التيار الوطني الحر” الذي انعقد برئاسة باسيل أمس، وبعضها الآخر يلبس لبوس الحراك المطلبي ويندسّ في ساحات التظاهر لا سيما في وسط بيروت لتخريب سلميتها من خلال افتعال مشاكل ميدانية وصلت إلى حد الاعتداء على المحتجين الذين يرفعون شعار “كلن يعني كلن” رفضاً لتناول نصرالله في سياق هذا الشعار. وكذلك الأمر في عدد من ساحات الجنوب التي شهدت ما يشبه “الغزوات” على المحتجين السلميين لترهيبهم ودفعهم إلى فض اعتصامهم.
أما على المستوى الديبلوماسي المواكب للمشهد، فبرز البيان البريطاني أمس الذي وصف ما يشهده لبنان بأنه “لحظة مهمة” مشدداً على وجوب أن تستمع السلطات اللبنانية إلى الشعب اللبناني “وشعوره المشروع بالإحباط”. وتوازياً، كشفت مصادر ديبلوماسية رفيعة لـ”نداء الوطن” أنّ “الدول الكبرى تتابع عن كثب وبحذر ما يحصل في لبنان” لافتةً إلى أنّ سفراء هذه الدول المعتمدين في بيروت “على تواصل دائم في ما بينهم لتقييم الوضع واتخاذ الموقف المناسب في ضوء التطورات”.
وإذ أثنت على “الشجاعة التي يبديها اللبنانيون المنتفضون بشكل سلمي والتي يرسمون من خلالها تاريخاً جديداً لوطنهم بروحية وطنية غير طائفية”، أكدت المصادر الديبلوماسية أنّ “عدداً من الدول الغربية التي كانت طلبت من رئيس الحكومة التريث قبل اتخاذ أي قرار بالاستقالة خشية وقوع لبنان في الفراغ الدستوري باتت مقتنعة تحت وطأة استمرار ثورة اللبنانيين على امتداد أسبوع كامل من دون أي تراجع أنّ الشعب اللبناني الثائر أصبح يبحث عن التغيير ولن يتراجع قبل الحصول عليه”، منوهةً في هذا السياق بضرورة الإبقاء على دور الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية في حماية حق التظاهر السلمي، لتختم بالتشديد في هذا المجال على أنّ “الدول الصديقة لن تترك لبنان وهي حريصة على مناشدة السلطة اللبنانية الاستماع إلى مطالب اللبنانيين المحقة بعيداً من أي قمع لحرية الرأي والتعبير، حتى ولو أدى ذلك إلى تأليف حكومة جديدة والتي على الأرجح ستكون برئاسة الحريري لمتابعة تطبيق مقررات سيدر وتتلقى الدعم الدولي المناسب لإنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني”.