في وقت كانت فيه أصوات البحر التي تمرّ تحت الرصيف الخشبي لساحة «زيتونة باي» مسموعة، كان أحد الموظفين المكلفين حماية «المشروع الاستثماري» هناك يعترض طريق عدد من الناشطين عند أحد مداخل الساحة ويمنعهم من الدخول، بحجة أنها «ملك خاص».
قانوناً، هي ملكٌ عام ولنا الحق في الولوج الحر المجاني إلى البحر. أُبلغ الموظف الذي كان يُنفّذ تعليماته بمنع الناشطين من الدخول الى الساحة، لكنّه بقي مُصرّاً على عدم «عمومية» المكان.
وعلى رغم أن عدد الناشطين لم يكن «مُخيفاً»، إلّا أن تهديدهم بـاستدعاء دعم من متظاهري ساحات رياض الصلح والشهداء وغيرهم لاقتحام الملك العام والدخول عنوةً لتنفيذ وقفتهم للتنديد بالاعتداء على الأملاك العمومية البحرية، أدّى إلى «اقتناع» المسؤول بالدخول إلى المكان.
دخل هؤلاء الناشطون القلّة ومشوا على ركام المباني التي هُدمت خلال «الإعمار» وردمت بحرهم لتستحيل رصيفاً يجاور «بُحيرة» لركن يخوت بقيت حتى أشهر قليلة معفاة من الرسوم (ألغت لجنة المال في حزيران الماضي إعفاء اليخوت من الرسوم بعدما كان قرار الإعفاء سائداً منذ سنوات طويلة).
«البحر غضبان ما بيضحكش/ أعيدوا الأملاك البحرية»، «حيتان الفساد ابتلعوا الشاطئ والأملاك البحرية»، لافتتان «يتيمتان» رُفعتا خلال الاعتصام الخجول الذي كان يستهدف نهج ابتلاع البحر والتفريط بالملك العام البحري. لماذا هذا الاعتصام اليوم؟ «للإشارة إلى أن استرداد الأملاك العمومية البحرية جزء من استرداد الأموال العامة. وهو مطلب من شأنه أن يعكس وعياً يخدم المعركة الطبقية التي يجب أن تبقى محور التحركّات الاحتجاجية»، وفق أحد المُشاركين. كان لافتاً أن يفتح المُشاركون نقاشات حول السبب الذي يدفع بأن تُصنّف ساحة «الزيتونة باي» أنموذجاً صارخاً عن وقاحة استلاب الملك العام، بدءاً من ردم البحر، مروراً بتجيير هذا المُلك إلى الوزير السابق محمد الصفدي الذي يملك غالبية أسهم الشركة التي تستثمر المكان (شركة إنماء واجهة بيروت البحرية) لقاء استئجارها المتر الواحد بـ 2500 ليرة سنوياً فقط، في حين تقوم بتأجير المحالّ بآلاف الدولارات، وصولاً إلى إرسائه كفسحة عامة «مشروطة» و«مُخصّصة» للنخب يدخلها الفرد «ممنوناً» للقيّمين على إدارة المكان.
«عملوا قصور وجابوا يخوت، من سرقة بحر بيروت»، «احتلوّا البحر وأخذوا الشاطئ، وسرقونا بكل المناطق»، و«يا سلطة الحرامية، ردوا الأملاك البحرية»، الهتافات الأبرز التي ردّدها المتظاهرون الذين يسعون إلى فتح قضية الأملاك العامة كوسيلة فعالة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي المطلوب. «مش مقبول يكون عِنّا هيك ملك لا قادرين نتنعم فيه منيح ولا قادرين ناخد مردود منو للخزينة»، قالت إحدى المُشاركات قبل أن تغادر الوقفة التي لم تدم أكثر من ساعة، فيما لفتت صديقتها: «صحيح أننا لم نكن بأعداد كبيرة، لكن المهم أننا نواة لحركات مُقبلة مطلوبة للقيام بثورة ضد اليخوت».