كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
كلّ عمليّات الترهيب والتخويف، من اليوم الذي ستفتح فيه المصارف أبوابها عندما تنتهي التظاهرات، لن تصحّ اذا ما أعلنت الحكومة استقالتها، بل على العكس فإن بقاءها يزيد من الخسائر الإقتصادية والإنتاجية لأن الثوّار لن يتوانوا عن تحقيق مطالبهم، وأرباب العمل مستعدون “للتحمّل” لأنها مسألة حياة أو موت لاقتصاد يرزح تحت الإفلاس.
الجمود الذي كان عنوان السنوات السابقة وشحّ الدولار وانعدام السيولة وتراجع النمو الإقتصادي الى ما دون الصفر في المئة وميزان المدفوعات… وفرض ضرائب من قِبل الحكومة بعيداً من الإصلاحات الحقيقية، هي التي كانت ترعب الإقتصاديين والشباب وليس الحراك العفوي الذي نشهده في الشارع والذي يتضمّن “رياح التغيير” لعودة البحبوحة وثقة المقيمين والمغتربين ببلدهم.
في حين يخشى البعض من التهافت على المصارف لسحب الودائع والسيناريوات المطروحة لمواجهة الإقبال الكثيف من المودعين على حساباتهم وخصوصاً على الدولار والتحويلات الى حسابات خارج لبنان، إلا أن آخرين يرون ان تنحّي الحكومة سيغيّر تلك المعادلة اذ ستعود الثقة الى اللبنانيين ورجال الأعمال والتهافت على الدولار سيتمّ وضع حدّ له، مع العلم أن نسبة الودائع بالدولار ارتفعت اصلاً قبل 17 تشرين الأول وتشكّل أكثر من نسبة 72% من إجمالي الودائع المصرفية.
وبات من المؤكد أن المصارف لن تفتح أبوابها قبل جلاء المشهد السياسي على تسوية تفتح على الأقلّ بصيص أمل في الأفق، باعتبارها جزءاً من المجتمع ومن المنظومة السياسية والإقتصادية التي ترزح تحتها البلاد، فهي ستقوم بالعمل التقني وتأمين رواتب الأجراء والمستخدمين والموظفين في نهاية الشهر الجاري من خلال اجهزة الصرّاف الآلي، أضف طبعاً الى خشيتها من الإقبال الكثيف عليها من المودعين.
ويقول رئيس قسم الأبحاث والدراسات في بنك بيبلوس الخبير الإقتصادي نسيب غبريل لـ”نداء الوطن”: “ان المصارف ستكون امام سيناريو من سيناريوات عدة عندما ستفتح أبوابها أبرزها:
– في حال استجابت السلطة لمطالب الشعب، سيؤدي ذلك الى صدمة ايجابية وقد يلجأ المودعون الى تحويل الأموال التي لديهم من الدولار الى الليرة وليس العكس.
– بالنسبة الى تحويلات المودعين حساباتهم الى خارج البلاد، فهذا الأمر لا يمكن أن يحصل الا اذا كانت المبالغ مستحقة”.
ويضيف: “لم يكن لدى المودعين ثقة بالسلطة السياسية انما لديهم ملء الثقة بالمصارف، ولولا ذلك لم تكن قيمة الودائع في المصارف بقيمة 172 ملياراً و500 مليون دولار”. وفي ما يتعلق بالحملات على القطاع المصرفي وحاكم مصرف لبنان يلفت الى أن “ذلك ليس بالأمر الجديد والغاية منه حجب الأنظار عن المسؤول الفعلي عمّا وصلنا اليه اليوم”. منوّهاً بالدور الذي يلعبه القطاع المصرفي لا سيما “أنه يتحمّل منذ 25 سنة مسؤولية الإستقرار النقدي والإختلال في المالية العامة والإستقرار الإجتماعي والإقتصادي”. ويتابع: “اليوم بات على السلطة التنفيذية أن تتحمّل جزءاً من المسؤولية من خلال إصلاحات جديّة ومكافحة الهدر والفساد”.
ويوضح أن “المصارف التجارية تسدّد الضرائب وتصرّح عن دخلها وتساهم بنسبة 60% من إيرادات الخزينة في الضريبة على أرباح الشركات في كل لبنان وبنسبة 33% من ايرادات الخزينة في الضريبة على الأموال المنقولة لكل لبنان… ما يظهر حجم التهرّب الضريبي في البلاد”. واذا ما كانت هناك شكوك حول أداء “المركزي” والمصارف “فليحصل تحقيق شفّاف ومستقلّ بعيداً من التسييس، فتتمّ المساءلة والمحاسبة” يختم غبريل.
ولا يخشى رجال الأعمال اللبنانيون من توقف أعمالهم، بل على العكس هم يناضلون ويؤيدون الثوار بغية تحقيق الأفضل والتخلص من هاجس الإقفال والإفلاس والجمود… لأن التغيير بات لا بدّ منه وبطبقة حاكمة جديدة، ويقول رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين فؤاد رحمة لـ”نداء الوطن” ان “سعر صرف الدولار الى الليرة سينخفض الى 1500 ليرة اذا ما تنحّت السلطة الحاكمة الحالية”.
ويلفت الى أن “الأزمة موجودة قبل انطلاقة الحراك، بدءاً من عجز الموازنة وميزان المدفوعات… ما خلق أزمة ثقة فارتفعت الفوائد ودخلت البلاد في دوّامة الجمود”. ويضيف: “وجود الثوّار في الشارع ليس رادعاً لبدء الحكومة سلسلة الإصلاحات الموعودة وتشكيل مجلس ادارة لمؤسسة الكهرباء وهيئة ناظمة…. وإقرار خطة ماكينزي وإقفال المعابر غير الشرعية”، سائلاً: “أين هما مجلسا الوزراء والنواب من الإصلاحات التي تعهدا بها، من يمنعهما من إنجازها؟”. هذه التطمينات حول وضع القطاع المصرفي بعد مراهنة أكثر من نصف الشعب اللبناني المؤيد للثورة ولنجاحها واستمراريتها، تقابلها إجراءات أو تدابير إستباقية حمائية يقوم بها بعض المصارف لعدم تحويل الأرصدة الى دولار وسحبها “يوم ستفتح المصارف ابوابها”. اذ يقدم البعض على الإتصال بالزبائن طارحاً خيار تحويل أرصدته من اللبناني الى العملة الخضراء مقابل تجميد الرصيد لآجال طويلة اي لسنوات على أن يصدر تعميم به لاحقاً من مصرف لبنان، علماً أن مصارف عمدت الى تسهيل القيام بعمليات التحويل من الدولار الى العملة الوطنية من خلال التطبيقات Applications”.
لا يختلف اثنان على ان القلق هو عنوان المرحلة المقبلة في ظلّ تقاعس الحكومة عن الإستجابة لمطالب ثورة الـleaderless كما عنونت مجلة الـTime، والسيناريوات أو التدابير التي تتحوّط لها المصارف تتغيّر وتتبدّل بين اليوم والآخر تبعاً لتطوّر الأحداث ولمدى استمرار المنتفضين في الشارع. فالثورة يجب أن تستمرّ والسلطة يجب ان تستقيل لأننا نحتاج فعلاً الى التغيير والى الثقة بمستقبل افضل.