Site icon IMLebanon

الحريري يضغط لتعديل وزاري جدّي

خلط خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأوراق سياسياً وشعبياً. ومع إعلانه الموقف «القلق» من وضعية الحراك الشعبي في هذه المرحلة، ودعوته أنصاره الى الخروج من الساحات، انتقل النقاش الى مستوى آخر. شعبياً، لم يتفاعَل المتظاهرون إيجاباً مع الخطاب. بعضهم خرج من الساحات ليلاً، لكن ذلك لا يعني أن الناس لن ينزلوا مجدداً الى الشارع اليوم وغداً. والمستجد، هو أن ناشطين في الحراك، تبادلوا أمس أفكاراً متضاربة حول كيفية التعامل مع السلطة، بين فريق لا يريد أي نوع من التفاوض، ومجموعات سارعت الى قبول اتصالات جرت معها من قبل مسؤولين في الدولة، ولو بعيداً عن الأضواء. لكن الأنظار تركزت على بعض المناطق في لبنان دون غيرها، وخصوصاً في المنطقة الممتدة من الدورة حتى شكا، حيث التوتر على أشده بين مناصري التيار الوطني الحر ومناصري القوات اللبنانية، وحيث يتوقع أن يبادر الجيش خلال الساعات المقبلة الى خطوات عملية على الأرض تمنع أي صدام بين الطرفين.

خطاب نصر الله الذي اتهم فيه جهات محلية وخارجية بالعمل على أخذ الحراك الشعبي نحو أهداف سياسية قد تتسبب بالفوضى الكاملة في لبنان، تضمّن مرافعة فيها الكثير من الدفاع عن ورقة الحكومة وقراراتها. ركّز على دعوة المُتظاهرين الى انتخاب ممثلين عنهم للتفاوض مع السلطات. لكن نصر الله، الذي لم يرفض مُطلقاً فكرة التغيير أو التعديل الحكومي، جدّد رفضه المساس بموقع رئيس الجمهورية، كما رفضه إجراء انتخابات نيابية مبكرة.

الاعتراضات على خطاب نصر الله، لم يكن بالإمكان حصرها من خلال مواقف رسمية. لكن الناشطين عبروا عنها، سواء في مقابلات في الساحات أو على مواقع التواصل الاجتماعي. وركز هؤلاء، على فكرة أنه لا يوجد بينهم تيار كبير يُريد استهداف المقاومة، رافضين اتهامهم بتلقي تمويل خارجي، ومعتبرين أنه يغطي سلطة الفساد. وجاء احتجاج هؤلاء، بعد مواجهة شهدتها ساحة رياض الصلح بين أنصار لحزب الله ومجموعات من الحراك، قبل أن يقرر حزب الله سحب كل أنصاره من المكان. وبمعزل عن «النفخ» الذي قامت بها جهات سياسية وإعلامية، إلا أن السلوك بدا شبيهاً بما حصل في مدينة النبطية قبل أيام، لناحية أنه نقطة سوداء في سجل أنصار حزب الله أو الحزب نفسه، حيال كيفية التعامل مع معارضيه في الشارع، علماً بأن أنصار الحزب جالوا غروب وليل أمس بالسيارات والدراجات في مناطق من بيروت والضاحية وصيدا والجنوب والبقاع تأييداً لخطاب نصر الله.

على أن مفاعيل الخطاب كانت في الجانب الآخر على شكل معنويات ضخت في جسد أنصار التيار الوطني الحر، وحتى عند قيادات في تيار «المستقبل» وحركة «أمل». وهؤلاء الذين يحملون على الجيش ويتهمون قيادته بالتساهل مع «معطلي الحياة» العامة، يراهنون على أن خطاب نصر الله سوف يجعل الأمور تسير في اتجاه آخر. وإذا كان في ذلك من إيجابية لناحية منع التوترات، إلا أن مجرد ترحيب أهل السلطة بخطاب نصر الله، يتحول علامة سلبية في رصيده.

يبقى أن الجمهور، المنتشر في الشوارع أو القابع في منازله، ظل يسأل عن احتمالات تطور الأمور الى مواجهة كبيرة في الساحات. وسط تحذيرات داخلية وخارجية من حصول فوضى كبيرة في لبنان، بينما تواصلت خطوات الحكومة لتوفير وصول رواتب موظفي القطاع العام والشركات الصغيرة الى الموظفين قبل نهاية هذا الشهر. وعلم في هذا السياق أن موظفين في مصرف لبنان نقلوا أمس الى مكاتبهم بطريقة سرية، وباشروا بإنجاز المعاملات التي تتيح وصول الرواتب في موعدها.

في المقابل، كان واضحاً يومَ أمس انعكاس خطاب نصر الله إيجاباً على وضع بعض القوى السياسية، إذ شكّل مظلة حماية للعهد ولحلفائه أيضاً الذين تعرضوا لهجوم شرس من الشارع. فقد أخذ نصر الله في صدره كل الهجمات، واضعاً ركائز للخروج من الأزمة، أهمها الانطلاق من الورقة الإصلاحية والعمل على عودة الحياة الطبيعية الى البلاد. وتؤيده في ذلك مختلف القوى المشاركة في الحكومة، فيما يبقى موضوع التعديل الحكومي أو الذهاب الى حكومة جديدة مُعلقاً، علماً بأن الرئيس الحريري يسعى الى هذا الخيار، ويضغط في اتجاه «تعديل وزاري جدّي»، على اعتبار أن خطوة مماثلة من شأنها أن تخفف من غضب الشارع. غيرَ أن الرئيس نبيه بري يحذر من اعتماد أي خيار من دون التأكد من أن الشارع سيتجاوب معه. أما النائب وليد جنبلاط فيزداد توتراً وارتباكاً بحسب ما نقل مقربون عنه، وخصوصاً أنه عمل في الأيام الماضية على إقناع الرئيس بري بالتعديل، كذلك فعل مع حزب الله للضغط على رئيس الجمهورية والوزير جبران باسيل للقبول به. لكن مصادر مطلعة أكدت أن القوى المشاركة في الحكومة ليست في وارد إجراء تعديل قريب، وأنها لا تزال تعتبر أن الحل هو في «الذهاب الى تنفيذ سريع لبنود الورقة الإصلاحية التي ستطاولها تعديلات كثيرة». لكنها تواجه «خوف الحريري الذي يخشى من وقوع نقطة دم فيضطر الى الاستقالة نتيجة ذلك، بينما بإمكانه اليوم الاستقالة وتقديم ذلك كحسن نية»، وهذا الأمر طرحه خلال لقائه عون في بعبدا حيث التقاه بعد خطاب نصر الله أمس.