Site icon IMLebanon

ماذا بعد “شيطنة” نصرالله الجزء الغامض في الحراك؟

كتب نقولا ناصيف في صحيفة “الاخبار”:

بعد تلميح رئيس الجمهورية ميشال عون، الخميس، الى احتمال غير جازم بـ«إعادة النظر في الوضع الحكومي تبعاً للأصول الدستورية»، من غير مهل أو خطوات وإجراءات وشيكة أو تعهدات جدية وملموسة بحصوله، جاء كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس حاملاً تقدّماً في موقفه من لاءاته الثلاث التي أطلقها السبت: تمسك باللاءَين الأوليين وهما لا لإسقاط العهد ولا لإنهاء ولاية مجلس النواب، وأبدى تساهلاً حيال اللاء الثالثة وهي مصير حكومة الرئيس سعد الحريري. الجملة المعبّرة لنصرالله في ذلك أنه لا يؤيد تغيير الحكومة، بعدما كان قاطعاً السبت في رفضه.

بذلك اكتملت حلقة ثلاث مرجعيات رئيسية باتت اليوم في واجهة الحدث والحراك الشعبي هي رئيسا الجمهورية والحكومة ناهيك بالأمين العام لحزب الله. تنظر هذه المرجعيات بحذر وتحفّظ إلى استقالة الحكومة، كما إلى أي تعديل محتمل فيها، وفق الشروط التي يطرحها المحتجون وفي ظل ضغوط الشارع. رد الفعل المحسوب للاحتجاجات الشعبية المُضي في الإصرار على مطالبها وأولها هذا الخيار، ما يعني أن فرص الحوار بين الطرفين معدومة تقريباً. التقت المرجعيات الثلاث – وإن بتفاوت – على تفهّم دوافع الغضب الشعبي وعصيانه، إلا أن نصرالله تفرّد عن عون والحريري بما لم يقله أحدهما أو لامسه حتى، وهي شكوكه في مسار مختلف للحراك الشعبي. قال الأمين العام للحزب إن ملامح مثيرة للقلق بدأ يلمسها مقرونة بمعلومات وأسماء. على نحو كهذا، من غير تعميم وجهة نظره، «شيطن» قسماً من الحراك الشعبي إذ ارتاب في الشعارات التي أخذ يطرحها في بعض الساحات، ومنها التعرّض لسلاح حزب الله. رد الفعل التالي كان إخراج نصرالله أنصاره من ساحات الاحتجاج الشعبي، وإطلاقهم في ساحات الحزب في الضاحية الجنوبية والجنوب بعدما أكد أن المقاومة تعرف كيف تدافع عن نفسها. وهو ما أمكن مشاهدته منذ مساء الأمس في مناطق عدة رفعت أعلاماً للحزب وحركة أمل ومواكب سيّارة، ناهيك باللافتات والحشود.

بات ثمة شارع قبالة شارع من غير أن يمسيا وجهاً لوجه، وبغية الحؤول دون أي صدام بينهما. إلا أن هذا التطور لم يقد، فعلياً، إلى أدنى تطور في الأزمة غير المسبوقة في لبنان بين الشارع، وقد أضحى أكثر من واحد، وبين طبقة سياسية حاكمة ينتمي إليها كثيرون ممن يشاركون في الاحتجاجات أو انضموا إليها لاحقاً. وهو فحوى اللغز الذي يحوط بهذه الظاهرة.

ما يبدو جازماً حتى الآن أن استقالة الحكومة أمر مستبعد، مقروناً برفض الحريري مجازفة الإقدام على خطوة كهذه تحت وطأة ضغوط الشارع، ناهيك برفض رئيس الجمهورية – رغم ما أوحى به في كلمته الخميس – التعاطي مع استقالة الحكومة على أنها حدث في ذاتها فُرض عليه، أضف تعاطي الحراك معها على أنها أول سلم مطالب لا سقف لها. عند هذا الحد تقاسم رئيس الجمهورية وحزب الله الشكوك في ما يتوخاه مطلب إسقاط الحكومة: إطاحة العهد بدءاً بأبرز رمز يمثله هو الوزير جبران باسيل مثالاً وأنموذجاً.

أول أسباب رفض رئيس الجمهورية إخراج صهره من الحكومة، الدور الذي يضطلع به إلى جانبه على أنه أكثر من وزير. معاونه الرئيسي ودينامو عقله السياسي الجدلي وكاسحة الألغام التي يواجه بها خصومه، قبل أن يُقال الذي يأمل في خلافته له. لذا بات باسيل، في الحكومة السابقة كما في هذه لكن مع فاعلية مضاعفة، الوزير الأول وندّ رئيس الحكومة في قيادة السلطة الإجرائية. أضحى الرجل أقرب إلى «ناظر الجمهورية» الذي لا غنى عنه للرئيس.

ثانيها، ليس خافياً أن باسيل نال في الحراك الشعبي الحصة العظمى من اللعنات والشتائم والسباب والاتهامات والتشهير والإهانات والتصوير الكاريكاتوري وكل مظاهر الغضب، إلى حد أضحى أي تفكير في تعديل حكومي يوجب حتماً إخراجه هو قبل سواه، وإخراجه الحتمي. بذلك تصبح الخيارات المطروحة مربكة: أي تعديل حكومي لا يشمل باسيل لن يُرضي الشارع، وأي تعديل يبدأ به لن يوافق عليه الرئيس وسيعدّه اعتداءً مباشراً عليه يستهدفه هو بالذات، ويرمي إلى توجيه صفعة قاسية إلى عهده.

ثالثها، أخذاً بشعار «كلن يعني كلن»، ليس باسيل وحده المدعوّ إلى الخروج من الحكومة الحالية، بل كذلك وزراء بري والحريري وحزب الله ووليد جنبلاط والتيار الوطني الحر وتيار المردة، الذين يمثلون في الواقع توازن القوى الصلب النافذ منذ اتفاق الدوحة (2008) الذي لا يتزحزح. موازين القوى هذه ليست ابنة الحكومة الحالية، ولا هي من صنع ولاية عون منذ عام 2016، بل لا تزال نافذة تبعاً لقواعد اشتباك سنّي – شيعي نشأ مع اتفاق الدوحة ولا يزال سارياً، ويتعذر تقويضه ما لم يُفرض انهياره بالقوة. هذا التوازن يُدعى «حكومة الوحدة الوطنية» التي يتمسك الرؤساء الثلاثة بها، كما القوى الرئيسية الممثلة في الحكومة التي تأخذ في الاعتبار قوتها التمثيلية.

عند حزب الله باسيل خط الدفاع الأول عن رئيس هو خط الدفاع الأول عن المقاومة

العامل الجديد المستجد، الوحيد، في هذا التوازن، منذ بدء ولاية عون، هو استئثاره بالحصة الرئيسية المسيحية وإقصاء أفرقاء مسيحيين اعتادوا الانضمام إليها بأحجام متفاوتة. لعل استقالة وزراء حزب القوات اللبنانية التي لم تُحدث أي ضجة ولم تُعطَ أهمية تذكر، كأنهم لم يكونوا في الأصل في الحكومة، تُقدّم دليلاً إضافياً على أن رئيس الحزب سمير جعجع ليس في عداد قوى ذلك التوازن، ولا هو شريك في المعادلة السياسية، ولا محل حقيقياً له بين أولئك الشركاء. مجرد التفكير في الاقتصاص من هؤلاء جميعاً على أنهم – في نظر الشارع – فاسدون او مفسدون، لكنهم يمثلون في واقع الأمر ميزان التوازن السياسي، يُفضي إلى الاستنتاج البسيط والسهل: لا سلطة سياسية من دونهم.

رابعها، لن يوافق حزب الله على خيار إخراج باسيل من الحكومة لدوافع لا تمت بصلة إلى كل الجدل الدائر حالياً بين الشارع والطبقة الحاكمة، كما بين قوى الاحتجاج الشعبي. في معزل عن مآخذه على أداء رئيس التيار الوطني الحر في كثير من المفاصل والملفات، ينظر حزب الله إليه على أنه خط الدفاع الأول عن رئيس الجمهورية الذي هو خط الدفاع الأول في السلطة وحيال الخارج عن المقاومة وحزب الله. في حال كهذه لا تعود المقاربة، بالنسبة إلى الحزب، مرتبطة بأزمات معيشية واقتصادية ونقدية وحاجات إنمائية، بل تتخذ بعداً سياسياً حاداً ومقلقاً تصبح المقاومة معه هي المستهدَفة إذ يكون عون هو المستهدف بغية إضعافه وتقويض عهده. لا محالة عندئذ من أن ينظر حزب الله إلى النيل من رئيس الجمهورية على أنه انقلاب سياسي خطير بكل المواصفات التي يبتهج لها خصومه الداخليون وأعداؤه الخارجيون. وهو ما عناه بوضوح تام الأمين العام لحزب الله أمس.