كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:
آن الأوان لإنقاذ لبنان. ليس المقصود هنا إنقاذه سياسياً بل من خلال نموذج اقتصادي جديد يقضي كل القضاء على منظومة المحاصصة والزبائنية التي تغطيها السياسة والتي تموّلها المالية العامة والاقتصاد ككلّ.
مَن حاول فهم تركيبة النموذج الاقتصادي اللبناني منذ تسعينات القرن الماضي، وحتى اليوم، تاريخ انتفاضة 17 تشرين، كمن يدور في دوامة مقفلة. أخيراً فنّد الشارع من هم الرابحون ومن هم الخاسرون في الميدان الاقتصادي الاجتماعي خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وان كانت النتيجة معروفة سلفاً، الا انه لدى الحديث عن النموذج الاقتصادي والمالي الفاشل نتناسى أحياناً المحرّك الرئيسي له “الفساد”. هنا يُطرح سؤال عن مصير الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والتي يُحاكي مضمونها مطالب الشارع اليوم. يمكن تلخيص أسباب الفساد “الاجتماعية”، بانتشار البطالة وغلاء المعيشة وثقل الضرائب والرسوم دون الحصول على خدمات مقابلة من الدولة، ما يجعل المواطن يُسلّم بموضوع الفساد ويُصبح جزءاً منه في بعض الأحيان.
يعتمد النموذج الاقتصادي على الريع وكذلك على الاستهلاك. ويترافق ذلك مع انخفاض المدّخرات المحلّية والاعتماد المستمر على الموارد الخارجية للتعويض عن العجز التجاري الكبير في البلاد. والأهم من ذلك، يُهيمن القطاع العام تاريخياً على الاقتصاد اللبناني المبني على قطاع البناء ومن خلفه المضاربات العقارية، وعلى السياحة والخدمات المالية والحرف الصغيرة المرتكزة على البيع بالتجزئة. وباستثناء المصارف وشركات الخدمات المالية التي تتطلّب مهارات بشرية مطوّرة، تلجأ بقية القطاعات الى موظّفين وعمّال من ذوي المهارات المتوسطة والمنخفضة، مما يخلق فرصاً محدودة لبقية القوى العاملة الماهرة وهذا ما يؤدي إلى تفاقم فجوة التنافسية في لبنان. الى ذلك، تتطلّع معظم هذه القطاعات إلى السوق الداخلية وتصب اهتمامها عليها، وفي ذلك مساهمة، ولو عن غير قصد في تفاقم العجز التجاري وبالتالي استمرار الحاجة الى تدفقات العملة الصعبة.
لقد حدّد تقرير ماكينزي عدداً من مجالات النمو والتي من شأنها أن تُحدث صدمة إيجابية في الاقتصاد الوطني ومن ضمنها قطاع السياحة، وخدمات الأعمال والاستعانة بمصادر خارجية، فضلاً عن عدد من الصناعات المحلية والتي يمكن تصديرها الى الاسواق العالمية مثل المستحضرات الصيدلانية، والنبيذ، والمنتجات الحرفية، والأزياء ومستحضرات التجميل، اضافة الى القطاعات الزراعية والمحاصيل التي ينفرد بها لبنان والتي هي بحاجة الى اهتمام خاص. لمقاييس النمو هذه فوائد عدة أبرزها تحفيز النمو، وجذب التدفقات وزيادة الاستثمارات.
تبدو التحديات التي يواجهها لبنان صعبة لدرجة يستحيل التغلّب عليها الا في حال اتخاذ تدابير تصحيحية جذرية. هذا الامر مشكوك في تحقيقه ان لم تستقل الحكومة فوراً، حكومة الـ 26 وزيراً الحالية، لاعتبار ان الخطر الوجودي الذي تمثّله الازمة الراهنة خارج عن التوقعات. فلا إنقاذ للاقتصاد وغيره مع هذه الحكومة المبتورة. من هنا، لن يتم إحياء الاقتصاد اللبناني وبعثه من جديد إلا من خلال إعادة تأسيس قيادة سياسية واقتصادية قوية وواعية وحكيمة، واعتماد وتنفيذ إصلاحات مالية شاملة قادرة على استعادة الثقة وتحسين آفاق النمو وبالسرعة المطلوبة. ومع استمرار غياب هذه الإصلاحات، فإن لبنان ونسيجه الاجتماعي المتنوّع وتاريخه المزدهر ومستقبله المجهول معرّضة كلها للخطر.