Site icon IMLebanon

باسيل: الرأس المقطوعة في الحكومة؟

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

من هو فوق سيظل كذلك، ومَن هو تحت ايضاً. ستاتيكو جديد بين السلطة وشارعها على ابواب انقضاء اسبوعين على العصيان. كلا الطرفين ينتظر الآخر يتعب قبله. اما البديل من هذا الانتظار فصدمة ما تقلب المعادلة الراهنة رأساً على عقب.

ليس مجدياً لفريقي الاشتباك الجديد منذ 17 تشرين الاول، السلطة والشارع المحتج، الرهان على الجيش. لن يصطدم بالحراك تبعاً لما تطلبه منه الطبقة الحاكمة، ولا يسع المحتجين توقع انقلابه على السلطات الدستورية لاطاحتها. يستكمل المعادلة الجديدة التي ترسي ستاتيكو في وسعه ان يطول اسابيع، موقفان متناقضان: فريق السلطة لا يتنازل ما لم يُرغم، وفريق الشارع يحتاج الى كسر السلطة او جزء منها. طبيعة توازن القوى بين مَن هو فوق ومَن هو تحت لا يسمح بحسم النزاع. اضف ان كليهما يراهن عبثاً على عامل الوقت. الواضح ان الجيش ليس طرفاً في ما يدور بينهما. استمرار وقوفه على الحياد من ضمن ضوابط وضعها بنفسه، تتيح له مراقبة ما يجري الى ان يتراجع احد الطرفين عن عناده وتحجره، بالحوار المستعصي بينهما او بحدوث ما ليس في حسبانهما.

عند هذا الحد تتجمع معطيات المواجهة بين السلطة والشارع:

1 – اخذت السلطة علماً بموقف قائد الجيش العماد جوزف عون، وهو ان لا حسم لما يجري في الشارع من دون قرار سياسي يصدر عن مجلس الوزراء. الامر الذي يتعذر حصوله مذ انقطع مجلس الوزراء عن الاجتماع في 21 تشرين الاول. ما هو قاطع عند قائد الجيش ان المشكلة سياسية تُحل بإجراءات سياسية. يتمسك بضابطين اساسيين لدور الجيش يقعان في صلب مسؤولياته: حماية المتظاهرين والمعتصمين كما الاملاك الخاصة والمرافق العامة. اذذاك لم يعد في الامكان التعويل على قرار مجلس الوزراء عام 1990 تكليف الجيش حفظ الامن في البلاد – بغية التنصّل من قرار جديد للحكومة الحالية – كون ذلك القرار غير ذي قيمة قانونية استناداً الى قانون الدفاع رقم 102/83. في الظاهر تسري مهمة حفظ الامن منذ عام 1990 خلافاً للقانون، الا ان مبررات «الامن القومي» حتّمت السكوت على هذه المخالفة مذذاك. اذ تقصر المادة 4 من قانون الدفاع مهمة حفظ الامن على «مهلة محددة تمدد عند الاقتضاء بالطريقة ذاتها»، فلا يصحّ عندئذ تمديدها ثلاثة عقود متتالية.

استمد قائد الجيش قوة موقفه من المادة 4 في قانون الدفاع التي توجب صدور مرسوم عن مجلس الوزراء بتكليف الجيش حفظ الامن بناء على اقتراحي وزيري الدفاع والداخلية. الواقع ان العقبة التالية تكمن في ان يجرؤ الوزيران على اقتراح تدخّل الجيش لاقتلاع الاعتصام والعصيان بالقوة.

لعل ما حدث الاربعاء 26 تشرين الاول خير دليل. بناء على ما تقرر في الاجتماع الامني في اليرزة في 25 تشرين الاول، وُضِعت خطة لفتح الطرق والشرايين الرئيسية وتقرر التنفيذ في الغداة 26 تشرين الاول، من خلال اختبار غير حساس هو جسر فؤاد شهاب (الرينغ)، وتكليف فرقة مكافحة الشغب في قوى الامن الداخلي فتحه. بعد اقل من نصف ساعة من المواجهة مع المعتصمين الذين رفضوا فتح الطريق، تلقت وزيرة الداخلية ريا الحسن مكالمة هاتفية من رئيس الحكومة سعد الحريري يطلب منها سحب قوى الامن فوراً من الشارع. مؤشر كهذا يصدر عن الحريري بعدما ابدت الحسن قبلاً تحفظاً عن استخدام القوة، كفيل بالحؤول دون اللجوء الى خيار كهذا، او القبول بصدام بين الجيش والمحتجين. في ذلك يكمن مغزى تحميل العماد عون السلطة السياسية بالذات – لا الجيش – مسؤولية اعتماد العنف.

2 – مصير حكومة الحريري، كأحد الشروط التي ينادي بها الحراك ويصر على اسقاطها، تتجاذبه ثلاثة مواقف غير متجانسة: رئيس الحكومة، المعني الاول وصاحب الصلاحية الدستورية، يرفض على نحو قاطع الاستقالة تحت ضغط الشارع. يلاقيه في هذا الموقف رئيس الجمهورية ميشال عون وحزب الله، ما يجعل هذا الخيار مستبعداً تماماً. يتصرّف الحريري، اكثر من اي طرف آخر في السلطة، على انه حاجة للجميع، ولا يمكن الاستغناء عن وجوده على رأس الحكومة الحالية كما هي، او معدلة حتى، او على رأس حكومة جديدة.

بمرور ايام على حركة الاحتجاج، وان تحت شعار «كلن يعني كلن»، اضحى الحريري اقل السياسيين شتماً وتعرّضاً للاهانة، مع انه رئيس حكومة متهمة بنهب المال العام والفساد، والشريك الفعلي والوحيد للشخصية الاكثر استهدافاً وتعرّضاً للتشهير والاتهامات الوزير جبران باسيل. كلاهما ابرما معاً تسوية 2016، ومسؤولان كلياً بالتساوي عن كل ما رافق السنوات الثلاث من الولاية. اضف احد ابرز بنود التسوية تلك، وهو ان يكونا معاً في الحكم طوال السنوات الست. بينما لا يزال الحريري الضرورة الملحة لأي حكومة، فإن باسيل هو اول المدعوين الى الخروج منها. الى ذلك، يقاسم الحريري رئيس مجلس النواب نبيه برّي ووليد جنبلاط وحزب الله الرأي في اكثر من فكرة: اولى ان الحكومة لن تسقط في الشارع على غرار حكومتي 1992 و2004، وثانية ان الحريري هو مَن يُقدم على الاستقالة في التوقيت الذي يختاره اذا توصل استنتاجه واياهم الى حتمية هذه الخلاصة، وثالثة ان لا استقالة تفضي للفور الى الفراغ الذي يقود بدوره الى المجهول.

3 ـ في اليومين الاولين من الاحتجاجات، كان ثمة اعتقاد بقبول رئيس الجمهورية باستقالة الحكومة برمتها لئلا يُستشم ان المقصود هو صهره وزير الخارجية. بيد ان مسارعة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ليل اليوم الثالث على الحراك، 19 تشرين الاول، الى اعلان استقالة وزرائه الاربعة احالت مرونة عون صعبة ومتعذرة. قبل ساعات من هذا الاعلان قصد مسؤول الاستخبارات الاميركية في سفارة بيروت الحريري والعماد عون ووليد جنبلاط وجعجع، ناصحاً بعدم استقالة الحكومة نظراً الى تداعياتها على الاستقرار. نصيحته الرئيسية كانت لجنبلاط وجعجع اللذين، منذ اليوم الاول للاحتجاجات، قالا باستقالة الحكومة وبدوا جاهزين لها. في ضوء زيارة الديبلوماسي الامني الاميركي، صرف جنبلاط النظر عنها بينما استعجل جعجع اعلانها قبل منتصف الليل، وفي ظنه أنه يسبق الزعيم الدرزي اليها.

بدأ اذذاك الكلام عن احتمال تعديل وزاري كأحد الخيارات لتفادي اطاحة الحكومة برمتها، يشمل ثلث وزرائها. الاستنتاج الاول بعد استقالة وزراء القوات اللبنانية الاربعة جعل من المحتم ان يكون الوزير المسيحي الخامس هو باسيل. بذلك، بات الرجل هو صاحب الرأس المطلوب قطعها واجراء التعديل بسببه، من ثم تحميله كل وزر الحراك كما لو انه هو – وطبعاً من ورائه رئيس الجمهورية – يدفع الثمن السياسي الباهظ. الامر الذي وضع الرئيس في المقلب الآخر من رفض الاستقالة، كما من رفض التعديل الذي سيبدو المستهدف الفعلي منه هو اولاً، ومن ثم رئيس التيار الوطني الحر. بل يكاد يكون الوزير الوحيد الذي يتوخى التعديل طرده من الحكومة.