كتبت هيام القصيفي في “الاخبار”:
تحفل الساحة اللبنانية، في الأيام الأخيرة، بحضور غربي وإقليمي فاعل لرصد تطورات التظاهرات وتأثيراتها. والرصد الذي ينفصل عن أيّ دور خارجي أو تأثير في ماهية التحرك الشعبي ومساره، هو بحسب المعلومات سياسي وأمني ومخابراتي على مستوى عال، خصوصاً مع تنسيق الأجهزة المعنية حضورها ومراقبتها، واستخلاص النتائج الاولية لما جرى حتى الآن، بحيث عادت بيروت مركز تحرك استخباري ناشط بفاعلية.
بقدر ما تصبح دلالات هذا الحضور المستجد لدول معنية مباشرة بالتواصل مع قوى سياسية رئيسية وأمنية، يمكن تسجيل انسحاب هذه القوى السياسية من المشهد المتعلق بمعالجة أسباب التحرك الشعبي الاجتماعي والاقتصادي. ولعل المتابعة الأهم يفترض أن تكون لحزب الله.
حدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مرتين، مقاربته للازمة وللحلول المطروحة، ووضع خطوطاً حمراً حول ما هو مقبول وما هو غير مقبول. بعد كلامه الاخير، وفي انتظار كلمته المقبلة، ستكون المراوحة العنوان الاول والوحيد، بعدما وصلت الامور الى حائط مسدود فعلياً من جانب الأطراف الرئاسية والحكومية المعنيين مباشرة بفتح كوة فيه. وهذا أمر يجب أن يتحمله هؤلاء وحدهم بحسب رؤية الحزب. فبحسب معلومات مطلعين على مسار اتصالات جرت اخيراً، فإن حزب الله أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه الوزير جبران باسيل ورئيس الحكومة سعد الحريري أن عليهم العمل بجدية ووضع أسس لبداية حل، خصوصاً أن الحزب يرصد تراجعاً في «همة» المسؤولين عن الدخول بفاعلية على خط الاتصالات والخروج بعناوين إنقاذية، بدل ترك هذا المعالجة على عاتقه وحده.
ويعود موقف الحزب الى أن ثمة واقعاً اقتصادياً تجب معالجته سريعاً، إضافة الى أن الحزب ليس معنياً بتركيبات اقتصادية ومالية كانت سبباً في الانهيار الحاصل الذي سبّب الأزمة الراهنة. تبعاً لذلك، صحيح أن للحزب رؤيته من مسار التحركات وبعض عناوينها وتدخلات عربية وغربية وتركية فيها، لكنه رصد أمرين: أولاً إن القوى السياسية تدور حول نفسها لجهة عدم الاعتراف بالمسؤولية والتفتيش عن حل متذرعين بموقف الحزب، وكل طرف يحاول تثبيت مواقعه في ساحة نفوذه ولمّ جمهوره، وفق حسابات مناطقية وحزبية، بدل النظر الى المشكلة من زاوية وحيدة، وهي الخروج من المأزق الحالي. أما الأمر الثاني فهو أن الحزب لم يعد ينظر الى تصرف القوى الأمنية نظرة مطمئنة، لأنه يعتقد أن انسحابها من مهمتها لفتح الطرق تحديداً، أسهم في تكبير حجم المأزق، ما أدى الى محاولة وضع الحزب في مواجهة متظاهرين، لا سيما أن هذا التصرف ليس منزّهاً عن تدخّل غربي أو أميركي تحديداً. ورغم أن ذريعة القوى الأمنية والجيش هي عدم تلقي أي أوامر سياسية، وبأنهما لن يفتحا الطرق بالقوة لمنع إراقة الدماء، الا أن عدم التدخل هذا كان مطمئناً في الايام الاولى، لكنه بدأ يطرح أسئلة، لأنه أسهم في ارتياح المتظاهرين، ومنهم قوى سياسية، لعدم فتح الطرق، علماً بأن بعض المراجعات الأمنية تحدثت عن أن أي مواجهة مع متظاهرين في ساحة تعني نقل هؤلاء احتجاجاتهم الى مناطق اخرى، ولا قدرة للقوى الامنية على مواكبة ما يحصل في كل لبنان.
تأتي هذه المعلومات وسط أجواء تحدثت عن قراءة للحزب للتطورات منذ اليوم الاول لها، بعدما تأخر كما غيره في استيعاب دلالالتها وإمكان استمراريتها. وقوع الحزب في فخ معلومات بعض الأطراف عن محدودية الحراك وإمكان ضبطه سريعاً، وسأم الناس من الشارع سريعاً. كان يمكن الحزب أن يستوعب الحركة منذ اليوم الاول أو الثاني بدفع حلفائه نحو إجراء تغيير جذري في الحكومة، والمساهمة في إخراج حل وسطي، قبل أن ترتفع مطالب المتظاهرين ورفع سقوفهم عالياً، بحيث صار أي تراجع أمامهم يُعَدّ كسراً للحزب وليس كسراً للحكومة وحدها.
في القراءة ايضاً إن الحزب الممتدة خطوطه من العراق (حيث التظاهرات تفعل فعلها أيضاً) الى اليمن وسوريا، لا يمكن أن يتراجع اليوم امام مجموعة سلمية، وهذا الامر يعرضه لمأزق سياسي، خصوصاً بعد خضوع الحالة اللبنانية الاخيرة لمعاينات إقليمية حثيثة. لكن هذه القراءة تخضع لنقاش جاد، لأن ثمة من يتحدث عن أن أي محاولة من الجميع لحل متواز، بعيد عن الشخصانية، لا يمكن أن يُعَدّ كسراً لأي طرف، لأن غير ذلك يعني مواجهة مع الناس، والحزب لن يكون طرفاً في هذه المواجهة.