قالت مصادر لبنانية مطلعة إن منابر حزب الله وحلفائه كما الجيش الإلكتروني التابع له تسعى إلى بث دعايات إعلامية لشيطنة الحراك الشعبي، والادعاء بوجود تمويل خارجي لوسائل الإعلام المحلية لدعم المظاهرات وتحريك وجهة الحراك المطلبي باتجاه مطالب أخرى تنال من الحزب و”سلاح المقاومة”.
ويدرك الحزب أنه بحاجة إلى رواية إعلامية مؤثرة شعبيا لمعالجة الشرخ الذي أحدثه الحراك بين صفوف مؤيديه أنفسهم في عقر داره في الضاحية الجنوبية، لذلك يسعى لإحداث انقسام مجتمعي عبر سحب “المكوّن الشيعي” من هذا الحراك، بتكرار القصة المعهودة في مثل هذه الاحتجاجات عبر إعادة الحديث عن جهات أجنبية مشبوهة تقف وراء التحرك الشعبي الذي شمل كل المحافظات اللبنانية من شمال البلاد إلى جنوبها.
ويعوّل الحزب على استخدام عدته التقليدية السابقة في اتهام دول الخليج وخصوصا السعودية والإمارات والولايات المتحدة وإسرائيل بالتآمر على “المقاومة”، عبر منابره المعروفة التابعة له مباشرة مثل قناة المنار أو تلك الموالية له بحجة رفع لواء المقاومة مثل قناة الميادين وجريدة الأخبار.
ونشرت صحيفة الأخبار القريبة من الحزب أنباء تتحدث عن اعتراف وسائل الإعلام اللبنانية بتلقيها أموالا من السعودية والإمارات للتحريض على استمرار الاحتجاجات. وذكر أحد مقالاتها أن عددا من أصحاب الفضائيات اللبنانية الكبرى قد اعترف لرئيس الحكومة سعد الحريري بذلك.
وقالت “الأخبار” اللبنانية في عددها الصادر الاثنين إن “رئيس مجلس إدارة ‘أل.بي سي.آي’، بيار الضاهر، اعترف قبل أيام لرئيس الحكومة سعد الحريري بأنه تلقّى أموالا من السعودية والإمارات، مع زميليه تحسين الخيّاط وميشال المرّ”.
ورأى محللون أن الصحيفة تستغل موقف الحراك الشعبي المناهض لكامل المنظومة السياسية بما فيها الحريري، لكيل الاتهامات لوسائل إعلام تغطي الاحتجاجات بشكل واسع، أملا في تغاضي الحريري عن هذه الاتهامات التي تصب لمصلحته.
ادعاءات مختلقة لا أساس لها من الصحة
واستبدل نصرالله في تصريحاته الأخيرة لغة المرونة والاحتواء إلى اتهام الحراك الشعبي اللبناني بأنه مدعوم من سفارات وأجندات سياسية خارجية مشبوهة. وتراجع عن تصريحات سابقة أبدى فيها تفهمه غضب اللبنانيين، معتبرا أن تحركهم منطقي ومفهوم.
وأضافت المصادر أن نصرالله وحزبه اتخذا قرارا بشيطنة الاحتجاجات واعتبارها رجسا وجب على “جمهور المقاومة” الابتعاد عنه.
وبدوره، نفى المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ما نشرته جريدة “الأخبار” عن اعتراف بيار الضاهر رئيس مجلس إدارة قناة “أل.بي.سي” وميشال المر رئيس مجلس إدارة قناة “أم.تي.في”، وتحسين خياط رئيس مجلس إدارة قناة “الجديد”، أمام الحريري بأنهم تلقوا أموالا من السعودية والإمارات لتمويل الحراك الشعبي. وأكد المكتب الإعلامي، في بيان صحافي أصدره الاثنين، أن “كل ما نشر في هذا الشأن مختلق ولا أساس له من الصحة”.
واعتبر محللون أن بيان المكتب الإعلامي يوضح بشكل جلي موقف الحريري بتبرئة الحراك الشعبي من ارتباطه بأي جهات أجنبية على الرغم من أن شعارات المتظاهرين ومطالبهم تطاله كما تطال بقية المنظومة الحاكمة في البلاد.
وأضاف المحللون أن موقف الحريري يوضح أيضا بشكل رسمي عدم وجود أي تدخل من قبل السعودية والإمارات ودول الخليج في شؤون لبنان وعدم صحة أي تهمة دعم مالي لحراك اللبنانيين.
ويمثل نفي الحريري ضربة مباشرة لجهود حزب الله الهادفة إلى إحداث انقسام داخل مكونات الحراك اللبناني حول شبهة وجود جهات خارجية تموّل هذا الحراك.
وإذا ما نظر إلى حقيقة أن القنوات اللبنانية “أل.بي.سي” و”أم.تي.في” و”الجديد” تعمل على تغطية الاحتجاجات الشعبية منذ 17 أكتوبر الجاري بشكل كامل، وأوقفت برامجها لهذه الغاية، ونالت شعبية واسعة لموقفها المساند للحراك ولمطالب الشعب، فإن اتهامات أذرع حزب الله الإعلامية تبدو مفهومة وواضحة الأهداف، بشيطنة كل وسيلة إعلامية تتخذ موقفا عادلا من الحراك.
وسبق أن وجهت صحيفة الأخبار اتهاما للدول الخليجية بتمويل جهات عديدة منها حزب القوات اللبنانية والوزيرين السابقين أشرف ريفي ونهاد المشنوق.
وتقول أوساط داخل الطائفة الشيعية إن الحزب شديد القلق من الظواهر التي عبرت عنها المدن الشيعية في الجنوب والبقاع من مشاركة حيوية في الحراك اللبناني ورفعها نفس الشعارات والمطالب التي ترفع في باقي المناطق اللبنانية. لهذا أعاد حساباته وقرر الاستعانة بالدعاية الإعلامية التقليدية لمواجهة الحراك.
وأبرزت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الحوادث في الشارع اللبناني لم يستطع الإعلام نفسه الإضاءة عليها، مثل مقاطع فيديو لأشخاص وجهوا انتقادات لاذعة وشتائم لحزب الله وزعيمه حسن نصرالله وبعض النواب التابعين له في البرلمان مثل حسن فضل الله، في مناطق لبنانية خاضعة لسيطرة الحزب بشكل مباشر.
الحريري يبرئ وسائل الإعلام والحراك الشعبي المناهض له من ادعاءات جريدة الأخبار بتلقي تمويل خليجي
وبعد ساعات قليلة ظهر هؤلاء الأشخاص أنفسهم يكيلون المديح للحزب وزعيمه ويقدمون فروض الولاء والطاعة له. وكانت آثار الضرب والاعتداء واضحة عليهم.
ويسعى حزب الله إلى العودة للعب على الوتر الطائفي والمذهبي. ويعمل على تصوير أمر الحراك بأنه خطر على الطائفة الشيعية مصدره أجندات الطوائف الأخرى.
ويجهد الحزب لإعادة إشعال الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة، من خلال ضخّ أنباء، كان نصرالله قد لمّح إليها في تصريحاته الأخيرة، في الغمز من قناة دول خليجية، لاسيما السعودية والإمارات، في تمويل الحراك لحرفه عن أهدافه باتجاه استهداف “المقاومة”.
وتؤكد أوساط مراقبة لمزاج الشيعة في لبنان أن حجج حزب الله ومزاعمه لا تلقى صدى لدى الطائفة هذه الأيام، التي تستغرب موقف الحزب السلبي والمرتبك من تحركات الناس الشعبية للمطالبة بأبسط الحقوق التي فشلت الحكومة التي يشارك فيها الحزب وكان له اليد الطولى في تأليفها من تأمينها. وتقول الأوساط إن موقف نصرالله وحزبه يتناقض مع خطط وعد نصرالله بها قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة لمكافحة الفساد، وهو أمر يعتبر المحرك الأول لاندلاع الاحتجاجات الحالية في البلاد.
وتضيف الأوساط أن الحزب يتأمل بقلق انهيار اشتغاله على الخصوصية الشيعية وجعلها منفصلة ومنعزلة ومتميزة عن باقي المكونات اللبنانية ولا تتحدث بنفس أبجديات اللبنانيين.