كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يكاد الجيش اللبناني أن يكون المؤسسة الأكثر إحراجاً في ظل التطورات الراهنة التي أظهرت انقساماً لبنانياً حاداً بين الأفرقاء. ومبعث الحرج متعدد الأسباب: من حجم الضغط الشعبي الذي ما زال يكنّ احتراماً كبيراً لهذه المؤسسة، إلى محاولة قيادة الجيش البقاء على مسافة متساوية من الجميع، إلى الطبقة السياسية التي تلقي باللوم عليه وتطالبه بالحسم ميدانياً لتزيل تبعات الموضوع عن كاهلها.
أول تردّدات الهجمة على المؤسسة العسكرية ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، من أشخاص انتقدوا الجيش لتردّده في فتح الطرق الرئيسية بين المناطق. فقد ردّ البعض سبب إحجام الجيش عن الدخول في المواجهة الى الاستحقاق الرئاسي وطموح قائد الجيش جوزف عون بالوصول إلى قصر بعبدا، وهو الاستحقاق الذي يُدخله السياسيون اللبنانيون في كلّ المواضيع الحساسة، فكيف عندما يكون هناك توجّه للقول إن تنحي وزير برتبة مرشح لرئاسة الجمهورية هو جبران باسيل من أبرز مطالب الثورة؟منذ بداية الحراك وحتى اليوم، يلقي الجميع بالمسؤولية على عاتق المؤسسة العسكرية، لتقاعسها عن فتح الطرق. وكان الاتهام الذي واجهه قائد الجيش بأنه سيكون متضرّراً من الحملة التي يتعرّض لها باسيل، والتي ستسيء حكماً الى مستقبله السياسي ربطاً برئاسة الجمهورية. وهذا كلام تنفيه مصادر مقربة من قيادة الجيش مؤكدة أن العماد عون يتواصل بشكل مستمر وجيد مع رئيس الجمهورية ويطلعه على كلّ مجريات الأوضاع على الأرض، وخطورتها، كما تجمعه علاقة جيدة مع باسيل وعلى تواصل معه.
وتؤكد المصادر أن المؤسسة العسكرية تتلقف باهتمام كلّ الانتقادات، وتضع الهجمة عليها في إطار محاولة “الإيقاع بين قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية”. وتلاحظ وجود “من يحاول الاصطياد في الماء العكر بين الجيش والشعب” بدليل استحضار كلام قديم قاله العماد جوزف عون في الثامن من الحالي، أي قبيل انطلاق التحرك الشعبي وفي لقاء عام “ما في جيش شعبه معه إلا ونجح…” وإعادة التداول به اليوم، للقول إن المقصود به وقوف الجيش إلى جانب الحراك.
أما بالنسبة إلى موضوع فتح الطرق، فيجد الجيش نفسه بين مطلبين، الأول يريد فتحها أمام المارّة والثاني يريد حفظ المتظاهرين وحماية حقهم في التظاهر. يتفهم الجيش مطالب الجهتين، ويتحاور مع المتظاهرين لفتح الطرق ويعمل على تسهيل حياة المواطنين وتنقلاتهم من خلال استخدام القوة الناعمة وليس المفرطة، عبر التواصل مع الحراك، ولكن المشكلة أن بعض الطرق التي كان يفتحها، كان يعاود المتظاهرون إقفالها. وهو وإن كان يعرف أن فتح الطرقات يندرج ضمن مسؤوليته لكنه لن يقمع الناس لفتحها بالقوة، وهو لم يعمد حتى اليوم إلى استعمال القوة المفرطة لفتح الطرق، لكنه لجأ الى أسلوب التواصل مع كل الأطراف المعنية لأنه مقتنع بأن معالجة هذه المشكلة سياسية وليست عسكرية. وهذا هو مضمون ردّه على السياسيين الذين يتصلون به، محذّراً إياهم من خطورة الوضع، ومؤكداً حرصه على التصرف بحكمة في مواجهة الواقع الراهن وليس بأسلوب صدامي، وقد أبلغ المعنيين أن التعاطي مع المتظاهرين يجب أن يكون بحكمة، ليس لأن الجيش يقف طرفاً مع أية جهة، ولكن لأن المواجهة بالقوة ستتسبب بإراقة الدماء.
وتذكّر قيادة الجيش بوجود 20 بالمئة من قوة الجيش العملانية على الحدود الشمالية والشرقية والجنوبية، ولا يمكن تحريكها، في حين أن القوة المتبقية منتشرة في مناطق الحراك وتقوم بتنفيذ المهمة بجهوزية مئة بالمئة على الارض وعلى كامل مساحة الوطن. لذا لا تبدو المهمة المطلوبة من الجيش سهلة على الاطلاق. على العكس، يبدو أن مسار الاوضاع غامض حتى بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية “ليس دور الجيش تقديم الحلول وإنما هذا دور السياسيين”.
وترى مصادر مقربة من قائد الجيش أن المرحلة صعبة ودقيقة، لذا يتابع العماد عون مجريات تطوّر الاوضاع على الأرض مع كلّ السياسيين لبحث كيفية إيجاد المخرج ليس تهرّباً من دوره ومسؤولياته، بل لأن للجيش محاذير تقوده الى الاقتناع “أن الحلّ سياسي وليس عسكرياً”، وهذا ما يبلغه الى كل من يراجعه مطالباً إياه بالتدخل على الأرض لفتح الطرقات المقفلة.
أما بالنسبة إلى “الاتهام” الذي يصيب قائد الجيش بموضوع الرئاسة فقد لا يكون في مكانه وزمانه، خصوصاً وان “العماد عون لم يظهر في أي مناسبة أو موقف انه طامح لرئاسة الجمهورية، وهو على مسافة واحدة من السياسيين بدليل انه لم يلبّ اي طلب لا في تعيينات ولا في تشكيلات الكلية الحربية”.