كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “الجمهورية”:
“إرفعوا أيديكم عن الجامعة اللبنانيّة”… «عمّال وطلاب بدنا نسَقّط النظام»… الكثير من الشعارات التي يرفعها المتظاهرون في ساحات وسط بيروت تشير إلى حجم مشاركة الطلّاب الجامعيين في هذه الانتفاضة، هم الذين يشاركون في الإضراب، رافضين العودة إلى جامعاتهم قبل تحقيق المطالب.
ساحات وسط بيروت على حالها في اليوم الثاني عشر للانتفاضة. صحيح أنّ عدد المتظاهرين انخفض عمّا كان عليه أمس الأوّل، إلا أنّ المتظاهرين ما زالوا يتوافدون. لم يُغيّر المطر والهواء سلوكهم الدرب اليومي المؤدّي إلى هنا، يحمل أحدهم الميكروفون ليهتف الآخرون خلفه: «قوم تحَرّك يا شعبي».
المتظاهرون من جميع الفئات العمريّة، ولكن الغلبة في الساحات لفئة الشباب. كثيرٌ من هؤلاء من الطلاب، الذي يعبّرون عن فرحهم لمشاركتهم الثورة مع أساتذتهم أو حتى بتشجيع من رؤساء جامعاتهم كالجامعة الأميركيّة في بيروت والجامعة اللبنانيّة الأميركية، وجامعة سيدة اللويزة…
يعتبر الطلّاب أنّ الانتفاضة هي ملك لهم، رفضاً لسياسات الدولة في القضاء على مستقبلهم. «كلّ واحد منّا هنا هو مشروع مُغترب»، يقول محمّد الذي تخرّج منذ عامين مهندساً مدنياً، مضيفاً: «تعبتُ من البحث عن عملٍ في اختصاصي، ولكي أكسب قوتي اليومي أعطي دروساً خصوصية».
محمّد يشبه كثيرين ممّن تعبوا في الدراسة، واليوم لا يجدون عملاً مقابل كلّ هذا الكدّ. يخاف الكثير من الطلّاب المستمرّين في تحصيلهم العلمي من المصير نفسه بعد تخرّجهم. لذلك، هم لا يتركون الساحات، مُعربين عن أملهم في تغيير الوضع الحالي «ليكون لبنان الذي نحلم به ويشبهنا بعيداً عن الطائفيّة التي تُفرّقنا»، تقول ربيعة طالبة المحاسبة في الجامعة اللبنانية الدولية.
هذا أيضاً ما تردّده أماني طالبة الحقوق في الجامعة الإسلاميّة، التي تشير إلى أنّ «السياسيين كانوا يخيفوننا من بعضنا البعض، ولكن بعد أن اجتمعنا في ساحة واحدة أكّدنا أنّ مطالبنا واحدة وأحلامنا واحدة، فعلامَ نختلف؟».
«الجامعة اللبنانيّة»
أمّا ربيع فهو هنا منذ الليلة الأولى لبدء الانتفاضة. إبن الـ25 عاماً امتهنَ التظاهر، وصار ينام داخل خيمة في ساحة الشهداء. مَطالب ربيع كثيرة، ولكنّ الطالب في كلية الطب في الجامعة اللبنانية يركّز على مطلب تَصحيح وضع الجامعة اللبنانية.
في خيمته الكثير من اللافتات التي كتبها مع زملائه، ومنها: «إرفعوا أيديكم عن الجامعة اللبنانيّة»… «الجامعة الوطنيّة خط أحمر». هي الشعارات نفسها التي تمتلئ بها جدران وسط بيروت، حيث كتب البعض باللون الأحمر اسم فرج الله حنين، أوّل طالب سقط شهيداً في أربعينات القرن الماضي.
يتحدّث ربيع عن عدم قبوله في إحدى الجامعات الخاصة لإكمال تخصّصه، على رغم أنّه كان من الأوائل، بسبب عدم انتسابه الى أيّ حزب من الأحزاب السياسيّة.
يشير الشاب إلى أنّ «أهله تمّ إذلالهم على أبواب منازل السياسيين الذين كانوا يُغدقوننا بالوعود قبل موسم الانتخاب، ليتبيّن أنّ هذه الوعود هي «كذبة انتخابيّة» برغم من أنّ هذا حقي مقابل تعبي وتفوّقي وليس مِنّة من أحد».
هو يُدرك أنّ الوضع الداخلي للجامعة اللبنانية يشبه إلى حَد بعيد وضع البلاد، الطائفية تُعشعِشع في النظام. البداية من امتحانات الدخول، وصولاً إلى تعيين رؤساء أقسام وعمداء غير كفوئين ومؤهّلين علمياً، وإنّما سبب اختيارهم هو قربهم من الأحزاب السياسية. «يخال لكَ وأنت تدخل الجامعة الوطنيّة أنها مربّع أمني لبعض الأحزاب وزعمائهم»، وفق ما يقول.
ولذلك، يُشير الشاب، المواظِب على البقاء في ساحات الاعتصام، إلى أنّ «معاناتنا من النظام الطائفي ونظام المحاصصة والزبائنيّة في الجامعة الوطنيّة تدفعنا للمطالبة بإسقاط هذا النظام».
لا تختلف ليلى، زميلته في كلية الحقوق والعلوم السياسية، في تأكيدها أنّ «طلاب اللبنانية هم وقود هذه الانتفاضة»، وتشير الى أنه «طفح كيلنا من هذا النظام الذي يضع يده الطائفية على الجامعة الوطنية ويعمل على تَدنّي المستوى التعليمي، حتى أنه يحرمنا ممارسة حقّنا في الانتخابات الطلابية منذ أكثر من 10 سنوات تحت ذرائع غير واقعية، وعندما يغيّرون آراءهم يَتّبعون سياسات عنصرية».
تغمز ليلى من قناة رئيس الجامعة فؤاد أيوب، قبل أن تردّد مع زملائها المتحلّقين حولها: «كلّن يعني كلّن، ورئيس الجامعة واحد منّن».
يشدّد هؤلاء على أنّ «الانتفاضة لم تكن لتنجح لولانا نحن الطبقة الواعية لحقوقها، ونحن الذين نرفض قرارات فتح الجامعات لنتلاقى بذلك مع قرار العمّال وجميع المتظاهرين بالإضراب والعصيان المدني»، مؤكّدة «اننا يئسنا من هذا النظام العاجز عن تقديم الحلول وإغراقنا في المزيد من الأزمات، ونحن بكل بساطة لا نريد أن نُكمل حياة آبائنا وأجدادنا».
تعود ليلى بالزمن إلى الوراء لتُدلّل إلى أنّ الطلاب كانوا دائماً في الصفوف الأولى من التظاهرات سابقاً، وتحرّكات الحركة الطلابية هي التي أدّت إلى إنشاء الجامعة اللبنانية وتحقيق الكثير من الإنجازات. ونحن اليوم نعيد هذا التاريخ المُشرّف».
الكثير من هؤلاء الطلّاب لا يجدون حَرجاً من مظاهر الفرح التي تعمّ ساحات وسط بيروت، معتبرين «اننا بحاجة لهذا الفرح»، مؤكّدين في الوقت عينه «أننا نُقيم حلقات حواريّة في الساحات كي نتبادل الأفكار ونكمل دورنا التوعوي».