كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الاخبار”:
يبدأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النصف الثاني لولايته، تماماً كما بدأ الرئيس إميل لحود ولايته الممدّد لها عام 2004 – 2005، على وقع تظاهرات شعبية واستقالة الحكومة وصخب الشارع والجامعات والتدخلات العربية والغربية. يمكن للظروف المحيطة بكلا الرئيسين أن تكون مختلفة بظروفها وحيثياتها، لكن مشهد الحصار السياسي والشعبي لرئيس الجمهورية يكاد أن يكون واحداً، لأن ثمة فريقاً محيطاً برئيس الجمهورية يريد له أن يعود سنوات إلى الوراء، رئيساً لتكتل التغيير والإصلاح في الرابية، أو رئيساً لحكومة انتقالية في بعبدا. هذا الفريق الذي يصرّ على إظهار عون منحازاً لفريق من اللبنانيين – فيما كان يقدم نفسه في خطابه الأخير رئيساً لجميع اللبنانيين – يريد ليوم الأحد المقبل أن يكون يوماً لـ«رئيس الجمهورية العوني»، مع عائلته القريبة والبعيدة، بعدما سبق أن أطلّ منه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل من بعبدا بعد الانتفاضة الشعبية. علماً أن الحرس الجمهوري منع كل أنواع التظاهرات من الوصول إلى القصر وأقام أسلاكاً شائكة وعوائق حديدية، فهل سيسمح للمتظاهرين بالدخول إلى ساحاته تيمناً بالتسعينات؟
في اللحظة التي ينصرف فيها حزب الله إلى قراءة ظروف استقالة الحريري ودرس كل الخيارات المطروحة أمامه، بدأ التيار حملة مضادة لتصوير الهزيمة الحالية انتصاراً، وفرض أجندته على المسار المقبل، من دون الأخذ في الاعتبار أن أي انتصار مع مزيد من الضغوط الدولية الاقتصادية والمالية انتصار صوري وسط الانهيار. فما هو مطروح لدى الحزب، حتى الآن بحسب المعلومات، أن لا حكومة طرف واحد أو حكومة مواجهة، بل استمرار لسياسة الاستيعاب والتهدئة في انتظار بلورة كل المعطيات. في حين كان رئيس الجمهورية والتيار حاسمين منذ اللحظة الأولى بأن لا حكومة توافق بل حكومة طرف واحد. يعتبر هذا الفريق أن ما هو متاح اليوم لن يُتاح لاحقاً، والسنوات المقبلة من عمر العهد يُفترض أن تكون لوضع سياسة غير تراجعية، بعد تجربة الأسبوعين الأخيرين.
بدأ هذا الفريق مكابرته حين حوّل استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري مناسبة لتوجيه الانتقادات له، وبأن رئيس الجمهورية لم يطلع على الاستقالة ولم يوضع في أجوائها، رغم أن باسيل ومقربين منه كانوا على اطّلاع مسبق. أصر هذا الفريق على نسف كل ما هو جيد، حسب عرفهم، في مسار العلاقة مع الحريري، ونبش كل «الدفاتر القديمة» بينهما منذ استقالة السعودية. قفز باسيل فوق تغطية الحريري له في الحكومة، وبدأ حملة تسويق لفرض إيقاعه، رداً على المطالبات باستبعاده، بعدما حُمّل مسؤولية التعامل «غير المسبوق» مع استقالة الحريري في بعبدا. لم يغفر التيار للحريري ورقته الإصلاحية ولا تنسيقه مع خصومه. حاله معه تكاد أن تشبه حالة عون مع الحريري نفسه عام 2011 مع عبارة: one way ticket.
يريد التيار أن يستفيد من استقالة الحريري ليس لإيجاد حلول للأزمة الحالية والمرشحة أن تعود في حال فشلت المعالجات، وإنما لقطع الطريق أمام أي محاولة مماثلة قد تحصل. وهو، هنا، أمام جملة تحدّيات في مسار سياسته الجديدة.
أولاً، الانطباع العام بأن التيار خسر أمام الحركة الشعبية في المناطق المسيحية، مهما كان عدد من قام بها وهويتهم، لأن هذه الحركة قطعت أوصال التيار ومناطق تمدده ونفوذه. وهذا سيضعه من الآن وصاعداً أمام خيارات «غير شعبية» في تحويل هذه المناطق إلى ساحة صراع دائم لاستعادة ما فقده من هيبة في الأيام الأخيرة، وتقزيم كل من اعتدى لفظياً أو ميدانياً أو ساهم في الانتفاضة ضد العهد.
ثانياً، أصبح على قدم المساواة مع الرئيس نبيه بري وحركة أمل في نظرتهما إلى الحركة الشعبية ومطالبها ونزولها إلى الشارع، مهما حاولت أدبيات التيار أن تُظهر تضامنها مع بعض المطالب الإصلاحية. لأن تصادم المتظاهرين مع التيار والعكس بالعكس في شكل عام كان جلياً منذ اللحظة الأولى. وهذا يضعه في تحدي التنسيق الذي أصبح ضرورياً مع خصمه اللدود في مواجهة أعدائهما المشتركين.
ثالثاً، أصبح أكثر من أي يوم مضى محتاجاً إلى حزب الله حامياً ظهره به. كان أول من نسجوا العلاقة مع الحزب يتحدثون كيف حموا ظهره في حرب تموز 2006، وفي دخوله إلى سوريا. ومع ما حصل في الأيام الأخيرة، انقلبت الآية، وصار التيار أكثر حاجة إلى الحزب، ولن يعود في أي معركة داخلية قادراً على الخروج من عباءته. ليس سهلاً أن يخوض التيار هذا الانقلاب بعد فرح الساعات الأولى عقب لقاء رئيسه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهو هنا سيصبح أشد التصاقاً به في لبنان وفي سوريا وفي مواجهة العواصم التي وقفت ضده.
رابعاً، حوّل لأول مرة علاقة القصر الجمهوري بالجيش علاقة سيئة لم تشهدها أي علاقة بين رئيس وقائد للجيش منذ الطائف. لا بل تكاد أن تشبه علاقة الرابية باليرزة حين كان قهوجي قائداً للجيش. لم يكن ممكناً اعتبار التلويح بتصفية الحسابات مع القيادة الأمنية التي رفضت إراقة نقطة دم واحدة في مواجهة المتظاهرين، مهما كانت الأثمان، بأنه تلويح بسيط حين يصدر عن مرجعيات. إذ يفهم أن يكون حزب الله أو شخصيات فيه ممتعضة من أداء الجيش، أو حتى التيار بوصفه حزباً سياسياً، لكن أن يتحول القصر الجمهوري والتيار الوطني إلى فريق واحد ضد الجيش ومحاولات التنسيق مع ضباط فيه عن غير طريق القيادة، فهذا أمر ليس عابراً، خصوصاً أن المعلومات تؤكد انقطاع العلاقة بين القيادة والقصر في شكل شبه كامل إلى حد انعدام اللقاءات رغم التطورات الأمنية. كذلك فإن علاقة القيادة مقطوعة مع وزير الدفاع الذي يقود حملات داخلية للتصويب على أداء قيادة الجيش، ومحاولته مع البعض التركيز على الفصل بين القيادة وبعض الضباط لا سيما المرشحين مهم لبعض المناصب. ورغم محاولات جرت لطرح إمكان اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع أو اجتماعات أمنية موسّعة للبحث في آليات العمل لمواجهة الوضع الميداني لا سيما في لحظات حسّاسة، فإن الرفض كان الجواب الوحيد، لأن المطلوب كان بوضوح فتح الطرق وفكّ الاعتصامات بالقوة، والا تُطبق قاعدة من «ليس معنا فهو ضدنا».