كتب بشارة شربل في صحيفة “الاخبار”:
كثيرة هي النهفات الجميلة التي نشرتها أفكار الشابات والشبان الإبداعية اثناء ثورة الأيام الـ13، لكن النهفة السخيفة أتت امس من الاتحاد العمالي العام.
فالاتحاد المذكور دعا العمال الى معاودة العمل كما لو انه كان دعاهم الى الاضراب، فيما امتناعه المشين عن المشاركة في الثورة لم يحل دون نزول الأحرار منهم الى الشارع والمشاركة في الدفاع عن لقمة عيشهم ومطالبة السلطة بالتوقف عن سياسة الفساد والهدر والنهب التي أدت الى تجويعهم.
والاتحاد العمالي الموالي للسلطة منذ بدأ زمن الوصاية السورية في لبنان، هو واحد من نقابات كثيرة جرى استتباعها تباعاً لتصير ناطقة باسم الحكام بدل المهنيين، وباسم السماسرة بدل طالبي الحقوق. وكل عامل وموظف وصاحب مهنة حرة أكان في مصنع او مستشفى او دار هندسة او إعلام، على سبيل المثال، يعرف الفاسدين والانتهازيين الذين تسلقوا وحظوا بمكاسب مالية ومعنوية وحولوا النقابات الى أوكار وأصدروا البيانات المخزية في خدمة مشغليهم الصغار. (لئلا نُتهم بالافتئات على الآخرين نعطيكم مثالاً عن انفسنا نحن الصحافيين. فنقيب المحررين السابق اصدر في العام 2012 بياناً تاريخياً يشيد بجهاز امني لتسليمه معارضين سوريين الى النظام السوري… ولا نريد ان نتذكر بيان اتحاد الكتاب اللبنانيين في العام 2005 والذي وقف مع الوصاية بوقاحة نافرة. ويمكننا ايراد عشرات الأمثلة القديمة والطازجة في معظم القطاعات).
خلخلت الثورة العظيمة بنيان المنظومة الحاكمة. فأسقطت الحكومة وحوَّلت “العهد القوي” الى عهد تصريف أعمال في أحسن الأحوال. وهي مصممة على تحقيق مكتسبات سياسية اضافية، لكن تحديات كثيرة تنتظرها على المستوى الاجتماعي والمهني والأخلاقي، ويفترض ان يتعامل معها أبناء الثورة بجدية لأن ثورتهم الاستثنائية ينبغي ان تتجذر أفقياً وعمودياً كونها ثقافية شاملة مهما حاول أعداؤها تسخيفها وحصرها في الاطار المطلبي. فما يحصِّن مستقبلها هو تمددها الى سائر القطاعات بدءاً بالنقابات التي فرضتها المنظومة الحاكمة والمستمرة بفعل المصالح والطموحات الشخصية وتبادل الخدمات.
يجب ان يطرح عملياً على الثورة ان تجدد الهيئات التمثيلية في المجتمع. فإذا كانت اطاحة مجلس النواب صعبة لشتى الاعتبارات، فخلع النقابات ممكن، وإن استحال فلتتشكل هيئات مستقلة موازية تجتذب الصفة التمثيلية الشعبية والمهنية وتكون لها المرجعية الأخلاقية التي شكلتها الثورة.
فَعَلَ قطع الطرقات فِعله. وسيفعل إذا تم الالتفاف على مطالب الثورة عن طريق العناد والمكر والخديعة. لكن الثورة يجب ان تحيا في تعميم القيم التي حملتها وعبَّرت عنها، وهي قيم الحق والسلام ومكافحة الفساد والنزاهة واحترام البيئة وخدمة الخير العام والانخراط في العالم الحديث، والأهم ذاك الشعور العارم بالمواطنية التي تقدم الولاء للوطن على الولاء للمال والزعماء والطوائف والأديان.