Site icon IMLebanon

فرنسا على خط التسهيل لتشكيل حكومة لبنانية

خيم التوتر مجددا على لبنان بعد هدنة من المحتجين لم تدم سوى ساعات عقب استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، الأمر الذي يثير قلق المجتمع الدولي، ويطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هناك حاجة إلى تدخل خارجي كوساطة فرنسية لتبديد هذا التوتر والأهم المساهمة في تسهيل ولادة حكومة جديدة، خاصة وأن باريس سبق أن لعبت دورا أساسيا في هذا المضمار، على غرار التسوية الرئاسية التي جرت في العام 2016.

وعاد الخميس المتظاهرون إلى قطع الطرقات في عدة مناطق لبنانية في إصرار من قبلهم على استمرارية الحراك إلى حين الاستجابة لباقي مطالبهم وعلى رأسها تشكيل حكومة كفاءات بعيدا عن المحاصصة السياسية والطائفية.

وألمحت فرنسا الخميس إلى إمكانية أن تلعب دورا في المساهمة في حلحلة الوضع الراهن والتوسط بين الفرقاء لتشكيل حكومة.

وهناك قلق داخلي ودولي من أن إطالة أمد تشكيل الحكومة، وما ستفضي إليه من تصعيد شعبي وسياسي، قد يعجلان بانهيار الوضع الاقتصادي، الذي يواجه ضغوطا هي الأشد منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الخميس إنه “من الضروري من أجل مستقبل لبنان تشكيل حكومة بسرعة لتكون قادرة على إجراء الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد”، بعد يومين من استقالة الحريري.

وأضاف لودريان في بيان “في سياق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها لبنان منذ عدة أسابيع، يعود إلى جميع المسؤولين السياسيين اللبنانيين أمر إعلاء روح الوحدة والمسؤولية، لضمان الاستقرار والأمن والمصلحة العامة للبلد”. وتابع البيان “بهذه النزعة الروحية يجب القيام بكل شيء لتجنب الاستفزازات، وللحفاظ على حق المواطنين في التظاهر السلمي”.

وخلفت استقالة الحريري حالة ارتباك وتخبط في صفوف الأغلبية المهيمنة على المشهد السياسي في لبنان، أي حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما، وسط حديث عن أن بعض الصقور تدفع باتجاه تشكيل حكومة من لون واحد أو تكليف شخصية سنية غير الحريري -الذي يعتبرون أنه خذلهم- لتولي مهمة تشكيل حكومة تكنوقراط.

 

ويتوزع النظام السياسي في لبنان وفق تقسيم طائفي، وتعد رئاسة الوزراء من نصيب أهل السنة، ولئن كان لحزب الله حلفاء له من داخل هذه الطائفة بيد أن تكليف أحدهم مرجح أن يأتي بنتائج عكسية ليس فقط لجهة رد فعل الشارع بل أيضا لجهة رد فعل المجتمع الدولي الذي ما زال يرى في الحريري الشخصية الأبرز لإعادة تولي مثل هذه المهمة. وبرز في الساعات الماضية حديث عن أن تشكيل حكومة تكنوسياسية قد يشكل المخرج الأمثل خاصة وأن حزب الله يعترض على حكومة تكنوقراط بالكامل، حيث يعتبر أن الهدف منها هو إقصاؤه من الحكومة وبالتالي التمهيد لعزله سياسيا بعد تنامي نفوذه في السنوات الأخيرة.

وقد يلقى مقترح حكومة تكنوسياسية قبولا من حزب الله وحركة أمل وأيضا من الحريري الذي سبق أن رهن الموافقة على توليه رئاسة حكومة جديدة بخروج الشخصيات النافرة، في إشارة إلى وزير الخارجية جبران باسيل، الذي كانت له حصة الأسد من انتقادات المتظاهرين.

في المقابل فإن هذا الخيار، وخاصة في الجانب المتعلق بإقصاء باسيل، قد يلقى معارضة من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر. وأعلنت رئاسة الجمهورية الخميس أن الرئيس ميشال عون يقوم بالجهود اللازمة قبل تحديد موعد بدء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة وذلك بهدف تسهيل هذه الاستشارات. ووفق المؤشرات فإن هناك توجها للذهاب في خيار بحث شكل الحكومة المقبلة ومؤثثيها بين القوى السياسية الفاعلة قبل تكليف شخصية برئاسة الوزراء.

وقال وزير الخارجية الفرنسي “من الضروري أن تسهل جميع القوى السياسية، منذ الآن، تشكيل حكومة جديدة قادرة على تلبية التطلعات المشروعة” للبنانيين و”اتخاذ القرارات الضرورية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي للبلاد”.

وختم الوزير الفرنسي بقوله إن “فرنسا، وفي الإطار الذي حدده مؤتمر سيدر، على استعداد لدعم لبنان على هذا الطريق” و”تقف إلى جانب الشعب اللبناني”.

وتولي فرنسا أهمية بالغة للبنان الذي تعتبره إحدى أهم مناطق نفوذها التاريخية في الشرق الأوسط، رغم تراجعها عمليا خاصة أمام النفوذ الإيراني المتنامي في لبنان من خلال ذراعه حزب الله. ولعبت فرنسا دور الوساطة في المطبات السياسية الكبرى في لبنان بالنظر لعلاقاتها الجيدة مع معظم الفاعلين السياسيين اللبنانيين، وكان لها حضور في أزمة التشكيل الحكومي في عام 2018، وقبلها في أزمة الفراغ الرئاسي في عام 2016.

ورعت فرنسا مؤتمرا دوليا في عام 2018، لدعم الاقتصاد اللبناني حصل خلاله لبنان على تعهدات بقروض وهبات تصل قيمتها إلى 11.6 مليار دولار شريطة القيام بإصلاحات هيكلية عميقة وتخفيضات في الميزانية لا تزال متعثرة.

وعلى مدار السنوات الماضية وجد اللبنانيون صعوبة في تشكيل الحكومة، ففي عام 2009 احتاج الحريري إلى خمسة أشهر لتأليف حكومته مقابل عشرة أشهر لرئيس الوزراء السابق تمام سلام بين العامين 2013 و2014، ليعود الحريري ويجد المأزق ذاته في عام 2018. ويخشى أن يواجه لبنان مجددا السيناريو ذاته فيما الوضع الاقتصادي لا يحتمل مثل هذا الشلل الحكومي إطلاقا.