كتب وليد شقير في صحيفة “نداء الوطن”:
يربك “حزب الله” المساعي لإخراج البلد من المأزق عبر رفضه التسليم بشبه الإجماع على استبعاد الوزير جبران باسيل عن الصيغة الحكومية المقبلة. فمثلما أساء “الحزب” تقدير الأضرار الناجمة عن مبادلته باسيل انحيازه إلى السياسة الإقليمية لمحور الممانعة، بإفلات الحبل له على الصعيد الداخلي، حتى لدى جمهور المقاومة، هو يسيء تقدير الأضرار الناجمة عن مسايرته رغبة الرئيس ميشال عون بعدم الاستغناء عن صهره في الصيغة الحكومية المنتظرة.
ومثلما كان لتأخير “الحزب” استقالة الحريري، مراهناً على أن الحراك الشعبي “سينتهي”، بالاعتماد على تولي القمصان السود قمع المتظاهرين وتكسير خيمهم، ردة فعل معاكسة أعادت الحراك إلى الساحات ليل الثلثاء الماضي، بعد موقعة ساحة رياض الصلح، فإن تأخير الحكومة سيعطي على الأرجح زخماً لتجديد الدم في شرايين الحراك. وفي الوقت الذي كان الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله يحذر المتظاهرين من حرف الحراك عن أهدافه الرئيسة المطلبية، متهماً سفارات وأحزاباً لها أجندات بالتدخل، فإن السواد الأعظم من شباب ونساء ومتقدمي السن، الذين يقوم الحراك على حماسهم ووجعهم، ساءهم تدخل مرشد الثورة السيد علي خامنئي بتوصيف الانفجار الشعبي على أن “أميركا وأجهزة المخابرات الغربية تعمل على زعزعة استقرار العراق ولبنان”، متهماً الدول العربية بـ”التمويل”. الاتهام يشرع التعامل الدموي من قبل “الحشد الشعبي”، مع تظاهرات العراق (أكثر من 180 قتيلاً خلال شهر) ويسوّغ لـ”الحزب” أن يرتكب المشهد المنفلت من أي ضوابط “قانونية” تحدث عنها السيد خامنئي. القمع يسوغ للدول الغربية أن تتدخل إذا كانت لم تتدخل بعد، أو أن تزيد من إقحام نفسها إذا صح أنها تتدخل. فسفارات أكثر الدول اعتدالاً التي لعبت دور الوساطة بين طهران وواشنطن في صراعهما على امتداد المنطقة بعثت بتقارير عن أسلوب “بربري اتُبع مع المتظاهرين الثلثاء”.
هل يعتقد “حزب الله” أن فرضية التدخل الغربي يمكن إحباطها بالقمع وبتأخير استقالة الحكومة، أم أن عليه مراجعة سياسته السابقة التي أغرقته في الإرباك حيال مأزق البلد؟ وهل أن الاتهام الضمني لشركائه، بدءاً من الحريري، بحجة أنه ينسجم مع الحراك الشعبي عبر استقالته وعدم دعوته الحكومة المستقيلة إلى الاجتماع لتفعيل الإصلاحات، كأن شيئا لم يكن، أم بالاتكال على أن رئيس الحكومة بالاستجابة لمطلب الاستقالة، مع حلفائه، قد يساعد على استيعاب مطالب الانتفاضة الشعبية التي بلغت بيئة “الحزب” نفسه مهما نجحت قيادته بالضغط على هذه البيئة كي تنكفئ؟
لم يغادر “حزب الله” الوهم بإمكان استمرار الحريري رئيساً ضعيفاً للحكومة بحكم التسوية الرئاسية، وما أنتجته عرقلة المحاصصة للمعالجات، من فشل في إدارة الأزمة الاقتصادية وفي محاربة الفساد وتصحيح مالية الدولة. أنتجت التأخير تمايزاً واضحاً بين الحريري وبين شركائه في التسوية، فاستعاد جمهوره الذي كان انصرف جزء منه عنه نتيجة تحميله مسؤولية عقمها. بل إن هذا الجمهور استفزه الأسلوب القمعي لـ”الحزب”، لا سيما في المناطق السنية التي تحتضن هذا الجمهور، الذي عاود النزول إلى الشارع. واللافت أن ردة الفعل هذه جانبت الوجهة المذهبية، لأنها حملت شعارين: تأييد قرار الاستقالة، ورفض حصر معاقبة الطبقة الحاكمة عن تدهور الحال المعيشية بالحريري، عبر توجيه الهتافات والغضب ضد العهد وباسيل. ولذلك شهدت الساحات في المناطق السنية (طرابلس – العبدة وغيرها في عكار – صيدا- برجا – ساحل الشوف – سعدنايل وتعنايل في البقاع الأوسط…) الحشد الأكبر قياساً إلى المناطق الأخرى ليل الأربعاء. وبينما بدا أن هناك استدراجاً للساحة السنية عبر اشتباك بلدة العبدة مع القوى الأمنية، سعى الحريري لاستيعاب الأمر تجنباً لانفلات الغرائز.
ألا يفترض بالحزب أن يسهم في استيعاب المأزق لمناسبة تأليف الحكومة الجديدة، بعدم تأخيرها، بدل الاتكال على أسطول الموتوسيكلات؟