صحيح ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حذّر في خطابه في ذكرى انتخابه الثالثة مساء امس، من انزلاق الوضع المحلي المتأزم أصلا، الى “توتّر” أمني بفعل استخدام شارع ضد شارع، قائلا للمسؤولين “ان استغلال الشارع في مقابل آخر هو أخطر ما يمكن ان يهدد الوطن وسلمه الاهلي”، الا ان كلامه هذا ترافق مع استعدادات مكثفة في صفوف التيار الوطني الحر، لتحرّك على الارض وُجهتُه القصر الجمهوري في بعبدا، الاحد المقبل، دعما لرئيس الجمهورية… هذه المفارقة، وفق ما تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية”، ملفتة للنظر، في ظل مخاوف جدية من حوادث أمنية في الفترة المقبلة. فالوضع حسّاس ودقيق جدا، وفق ما بلغها من معلومات، والمطلوب لتفادي الاسوأ، وعيٌ كبير. ذلك ان قوى وازنة في اللعبة السياسية المحلية، لم تهضم بعد الضربةَ التي سدّدها في مرماها، الرئيس سعد الحريري باعلان استقالته، بعد ان رسمت خطوطا حمرا حول الحكومة الحالية. وهي تتدارس حاليا في الخيارات الواردة التي يمكن اللجوء اليها، للتعافي من آثار هذا الانقلاب المفاجئ. المعني بهذا المسار، تتابع المصادر، هو حزب الله أولا، ومن ثم التيار الوطني الحر.
ففي وقت تبدو المشاورات السياسية على خطي التكليف والتأليف، شاقة ومعقّدة بفعل الاصرار على الاتفاق على التكليف والتأليف معا، في أعقاب الاستقالة، من غير المستبعد ان يتم اللجوء الى السيناريو الامني لكسر الستاتيكو الحالي وترجيح الكفة لصالح فريق وخياراته “الحكومية” شكلا ومضمونا، على حساب آخر. فكما أدت حوادث 7 ايار 2008 الى خلق واقع سياسي جديد في الداخل كرّس تفوّق 8 آذار، هكذا قد يحصل اليوم… كيف؟
المصادر تشير الى ان ثمة ميلا لخلق بلبلة أمنية في بعض المناطق المعروفة “الانتماء” المذهبي والسياسي، الواقعة على تخوم مناطق نفوذ قوى سياسية معيّنة، عبر حوادث متنقّلة يقوم بها بعض “الشبيحة”، سيعمدون الى الدخول اليها في شكل استفزازي محاولين افتعال الاشكالات، وهدفهم اثارة فتنة مسيحية – اسلامية. وستتزامن هذه العمليات مع أُخرى في قلب المناطق المسيحية الصرف، بين مناصرين للتيار (أو حلفاء له) ومناصري القوات اللبنانية، لمحاولة إحداث فتنة مسيحية – مسيحية… الأغراض من هذه الفوضى التي من المستبعد ان تذهب الى حد فتنة سنية– شيعية، عديدة، بحسب المصادر. المُراد منها الدفع- “على الحامي”، وتحت وطأة “فائض قوة” قوى الامر الواقع- بمن يعنيهم الامر، الى السير بما تطلبه هي سياسيا وحكوميا، وذلك حقنا للدماء ودرءا للفتنة، مراهنين على لعب خصومها غالبا دور “أم الصبي”.
كما ان هذا السيناريو، سيتم بناء روايات كثيرة عليه، لتشويه صورة الحراك، وإظهاره مثيرا “للمشاكل” في أكثر من منطقة ومع أكثر من طرف غامزين بذلك من قناة القوات اللبنانية. وهو قد يفيد ايضا في تنفيس ثورة 17 تشرين ومفاعيلها.. الى ذلك، قد يساعد هذا الوضع المشحون، مَن يطالبون بانزال الجيش والقوى الامنية الى الشوارع في ما يشبه اعلانا لحال الطوارئ في البلاد، في تحقيق ما يريدون. وبذلك، يحاولون وضعَ رجال هذه المؤسسات في مواجهة الناس، ويضعون على عاتقهم مهمةَ ضبط الامن، ولو بالقوة. وقد يكون اعلان الادارة الاميركية في الساعات الماضية، انها ستحجب مساعدات أمنية للبنان حجمها 105 ملايين دولار، بمثابة رسالة تحذير الى السلطة السياسية، التي تساورها فكرة أخذ الجيش الى مكان ليس له.
فهل يمكن ان تذهب بعض الجهات الى حد اللعب بورقة الامن لحماية رأسها ومصالحها؟