كتب فادي عبود في جريدة الجمهورية:
إصراري اليوم على قانون الشفافية المطلقة يؤكّده ما يتمّ تداوله في الايام الماضية من مطالبة بالمحاسبة وملاحقة الفاسدين. ويبقى الهمّ الاساسي، كيف سنحارب الفساد من دون امتلاك المعلومة؟ وكيف سنتفادى ما حصل من فساد في المرحلة السابقة؟
ينصّ قانون الشفافية والبيانات المفتوحة الذي اقترحته، في مادته الأساسية على الآتي: «على الإدارة أن تعتمد سياسة البيانات المفتوحة، أي أن تجعل كافة بياناتها الادارية مُتاحة للعموم عبر مواقعها الالكترونية (في المرحلة الاولى) أو على بوابة منفصلة للبيانات المفتوحة (في مرحلة لاحقة).
لماذا نصرّ على البيانات المفتوحة؟ ولماذا تُعدّ البيانات المفتوحة ضرورية للديمقراطية؟
عندما يكون المواطنون مسلّحين بالمعرفة، فإنّهم يشاركون بشكل أكثر جدوى في حكومتهم. ويتيح الوصول إلى البيانات الأولية للأفراد استخلاص استنتاجاتهم الخاصة بدلاً من الاعتماد على التفسير الحكومي أو السياسي. وعندما تصبح المعلومات ديمقراطية، يمكن للمواطنين أن يواجهوا تحدّي تحليل زعمائهم واعلامهم ويحلّلوا بأنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، عندما تكون البيانات متاحة بسهولة، يكون الصحافيون (الاستقصائيون منهم) أكثر قدرة على التصرّف كـ»وحدات فك ترميز» لجمهورهم، ويشرحون المعلومات الحكومية المعقّدة في بعض الأحيان إلى الجمهور لتعزيز الشفافية والمساءلة. وفي هذا السياق اود ان اتقدّم بالتهنئة لفريق عمل «يسقط حكم الفاسد» على تلفزيون «الجديد»، هذا هو الإعلام الذي يحتاج بشدة الى البيانات المفتوحة.
في كلا الحالين، تزوّد البيانات المفتوحة الناخبين بأدوات للدفاع عن مصالحهم. على سبيل المثال، عندما تتوافر أصوات النواب على الإنترنت، يمكن للناخبين مراقبة ما إذا كان ممثلوهم يوفون بوعودهم الانتخابية، ويبلغون قرارات الناخبين في الانتخابات المقبلة. وبالمثل، عندما تتاح العقود الحكومية للجمهور، يصبح من الصعب إخفاء الفساد، مما يمكّن الناخبين من المطالبة بالمساءلة.
أما بعد، فإنّ مطلبنا هذا ليس خيالياً، وهناك تجارب لدول تطبّقه وتعتمده لخلق بيئة شفافة:
في الهند على سبيل المثال، أمرت المحكمة العليا برفض ادّعاء الحكومة المطالبة بامتياز على مستندات «رافال». والذي قال إنّه لا يوجد سبب للشك في عملية صنع القرار حتى مع استمرار المعارضة في مهاجمة الحكومة بسبب الفساد المزعوم في صفقة الطائرات. واعتبرت المحكمة الهندية، أنّ قانون RTI ينطبق على المعلومات الحساسة في حالات الفساد.
هذه القضية للتذكير باتهام، أنّ الحكومة قد أبرمت فيها صفقة مُبالغاً فيها لمساعدة شركة «أنيل أمباني» في الحصول على عقد تعويض مع شركة «داسو» لصناعة الطائرات.
في كندا مثلاً، المعلومات المالية والميزانية الخاصة بحكومة كندا متاحة وسهلة الفهم، ممّا يسمح للكنديين بتتبع كيفية إنفاق أموال الضرائب الخاصة بهم وفهم كيفية اتخاذ القرارات المالية الحكومية، وتمكين البرلمان من مراجعة الإنفاق الحكومي والموافقة عليه، وتخطو كندا خطوات جدّية نحو الحكومة المفتوحة.
في اوكرانيا يتيح موقع «المالية العامة المفتوحة» OPF بيانات جميع الموازنة المحلية على البوابة الوطنية openbudget.gov.ua. حيث أصبح لدى المواطنين الأوكرانيين أداة لرصد الإنفاق العام على المستوى المحلي. وأصبحت معلومات حول 9.603 ميزانيات عامة محلية متاحة للجميع، ويتمّ تحديثها شهريًا. حيث قدّم فريق «المالية العامة المفتوحة» بيانات عن دخل ونفقات كل ميزانية محلية.
لذلك، يمكن للجميع الآن إجراء البحوث حول تشكيل الميزانية. ما يسمح للمواطنين بمعرفة أي جزء من أي إيرادات من الميزانية المحلية يذهب من التدفق الخاص به والجزء الآخر من تبرّع الدولة. علاوة على ذلك، من الممكن التحقق من نفقات السلطات المحلية.
وقال أوليكساندر كوماريوس، الرئيس التنفيذي لشركة PI «المالية العامة المفتوحة»، وهي مؤسسة عامة تأسست لفتح البيانات تابعة لوزارة المالية الاوكرانية: «توفّر البيانات المتعلقة بالميزانيات المحلية مجالًا كاملاً للمناقشات بين السلطات والمجتمع النشط. الشفافية المالية للإدارة تتيح للمقيمين التحكّم في حركة أموال الميزانية، وكذلك مساعدة المسؤولين بفعالية مع النزاهة في إدارة الشؤون المالية المحلية».
ويقدّم موقع «ميزانية الشفافية» معلومات عن الميزانية في المكسيك بطريقة مفصّلة. هذا هو أول موقع مؤسسي على المستوى الفيدرالي يتحقق وينشر نظام تقييم الأداء (SED حسب اختصاره باللغة الإسبانية)، أي المعلومات الأساسية لبرنامج اتحادي، وتحديثات ربع سنوية حول الأموال المنفقة، والتقييمات الخارجية، ومصفوفة المؤشرات (IM) مع التقدّم المحرز في كل من الأهداف المخططة والمحققة، تتماشى وخطة التنمية الوطنية، لكل مؤشر.
الهدف الرئيسي لهذا الموقع هو توفير نافذة واحدة للوصول إلى المعلومات المتعلقة بالإنفاق العام، حتى يتمكن المواطنون من التشاور بطريقة بسيطة:
– على ماذا تنفق الحكومة المال؟
– ما الموارد التي تُنفق؟
– كيف تنفق الحكومة الموارد العامة؟
– أين تنفق الحكومة عليهم؟
تخلق البوابة بيئة من الشفافية في جميع مراحل عملية الموازنة: التخطيط، البرمجة، الميزانية، التمرين والتحكّم، المراقبة والتقييم والمساءلة.
في اسبانيا، Open Budget هي أداة تمّ إنشاؤها للمواطنين وجميع الأشخاص أو المنظمات التي قد تكون مهتمة، والتي تهدف إلى تسهيل تحليل وفهم ميزانيات مدينة برشلونة. ويتيح عرض الميزانية من المستوى العلوي إلى الحد الأقصى لمستوى التفاصيل، للعام الحالي وللسنوات القليلة الماضية. مما يسهّل مقارنة ما تمّ وضعه في الميزانية مع ما تمّ تنفيذه أخيرًا، ويوضح تفاصيل الفواتير الكامنة وراء نفقات الميزانية. وتتيح أداة Open Budget أيضًا تنزيل البيانات بتنسيقات مفتوحة، وهي متوافرة باللغة الكاتالانية والإسبانية والإنكليزية.
بدأت مؤسسة Open State Foundation عام 2013 إطلاق البيانات المالية لمركز مدينة أمستردام. وعام 2014، أصدرت مؤسسة الدولة المفتوحة بيانات الموازنة والإنفاق لأكثر من 200 حكومة محلية، بدعم من وزارة الداخلية الهولندية، وأدّى ذلك في نهاية عام 2015 إلى الوصول المستدام والهيكلي إلى البيانات المفتوحة للميزانيات والنفقات لجميع السلطات المحلية الهولندية. وتتوافر البيانات اعتبارًا من عام 2010، وتضاف ميزانيات ونفقات جديدة تلقائيًا، حيث تّعد الشفافية المالية أمرًا ضروريًا للمساءلة .
وبالتالي، انّ ما نطالب به اليوم بفتح البيانات هو ليس حلماً وردياً، هو توجّه عالمي اليوم، بعد ان اقتنعت الدول بأنّ البيانات المفتوحة هو الطريق الحقيقي للشفافية المطلقة ومدّ جسور الثقة بين المواطنين والحكومات. هذا مطلبنا الاول، ويجب ان يكون فاعلاً في المرحلة المقبلة.