كتب د.مازن ع. خطاب في جريدة اللواء:
توحّد الشعب على اختلاف أطيافه تحت العلم اللبناني، على امتداد مُدُن وبلدات الوطن حول مطالبه المُحقّة بالكرامة والعدالة الاجتماعية، والرافضة للواقع المالي والاقتصادي المتردّي. وقد أدّى الضغط الشعبي، إضافة الى المتغيّرات الطارئة على المشهديّة الحاليّة والحسابات السياسية الداخلية الى استقالة حكومة «إلى العمل».
ومع استقالة الحكومة، دخل اللبنانيون في سباق مع الزّمن لتأليف حكومة جديدة قادرة على التقدُّم في مسيرة التقويم السياسي والمؤسّساتي والاقتصادي والمالي واسترداد الاموال المنهوبة، على ان يكون الشخص المُكلّف تشكيل الحكومة شخصيّة مقبولة من الشعب والقوى السياسيّة والمجتمع الدولي، ويملك رؤية استراتيجية واقتصادية تمكنه من قيادة الفريق الوزاري «الإنقاذي».
على الحكومة «الإنقاذية» المُرتقبة أن تنال ثقة الشعب قبل ثقة المجلس النيابي كي يُكتب لها النجاح، والأرجح انها ستكون مُصغّرة ومُطعّمة من السياسيين والاختصاصيين. وحبّذا لو تكون التوليفة الوزاريّة من خارج المنظومة الحاكمة ومن غير النوّاب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المرحلة الدقيقة تتطلّب حدّاً أدنى من التوافق مع الأحزاب وكتلها النيابيّة بهدف تأمين قدر كافٍ من الدعم للحكومة وتسهيل مهامها الإصلاحية، وإعطائها صلاحيات استثنائية، لاسيّما من خلال تفويضها اصدار المراسيم الاشتراعية اللازمة للمرحلة.
وانطلاقاً من العناوين الأساسية التي تُعنى بتطبيق إصلاحات قانونية ومالية واقتصادية واجتماعية، ستكون الحكومة «الإنقاذية» أمام جُملة من الاستحقاقات الدقيقة والمؤثّرة في الواقع اللبناني، وأهمّها:
أولاً – ترشيد الإنفاق وخفض كلفة الدين العام بالتعاون مع مصرف لبنان والمصارف التجارية وكبار المودعين، وإعادة توزيع وتقليص عدد موظفي القطاع العام.
ثانياً – تجفيف مزاريب الهدر في المال العام عبر تقويض التهرّب الضريبي، وتضييق نطاق القطاع العام وإلغاء المؤسّسات غير المنتجة، وإيقاف أو تقليص الدعم المالي للهيئات والشركات والمشاريع والجمعيات غير الفاعلة، وتقليص بدلات إيجارات الوزرات والاستعاضة عنها ببناء مجمع خاص بالوزارات تملكه الدولة.
ثالثاً – زيادة الواردات عبر تحسين الجباية في قطاع الكهرباء والمياه والاتصالات والضرائب، وتسوية مخالفات الأملاك النهرية والبحرية والتعديات على الأملاك العامة، وإلغاء الإعفاءات الجمركية، وضبط الحدود والحد من التهريب.
رابعاً – مكافحة الفساد المالي والإداري واسترجاع المال العام المنهوب، من خلال إقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتعديل قانون الإثراء غير المشروع، وإقرار قانون استرداد الأموال العامة المنهوبة والمهرّبة الى الخارج، وتفعيل قانون حق الوصول الى المعلومات، وتعديل قانون سرية المصارف لرفع السرية طوعاً وبشكل كامل عن كلّ من يتقلد وظيفة عامّة، وإقرار قانون حماية كاشفي الفساد.
خامساً – تعزيز دور القضاء والرابطات العدلية عبر إقرار قانون استقلال السلطة القضائية، وإقرار قانون انشاء محكمة تُعنى بالجرائم المالية، وتفعيل دور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
سادساً – الانتقال الى نظام سياسي مدني استناداً الى الدستور ووثيقة الوفاق الوطني عبر إقرار قانون للبرلمان من مجلسين – النواب والشيوخ – ومن خارج القيد الطائفي، وإجراء انتخابات نيابيّة مبكّرة، على أن يقرّ مجلس النواب قانوناً تُعدّل بموجبه مدّة ولاية المجلس الحالي.
ينتظر اللبنانيون ولادة الحكومة خلال الأيام القليلة المقبلة، حتّى لا تدخل البلاد في نفق مسدود في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع منسوب الاحتقان الشعبي والتجاذبات الداخلية، والكلّ مُطالب بتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية.