تجمع مصادر وزارية واسعة الإطلاع على ان الإتصالات الجارية على اكثر من مستوى باتت قاب قوسين او أدنى من حسم التسمية، التي تعيد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الى السراي، وهي تنتظر الإستشارات النيابية الملزمة المتوقعة مطلع الأسبوع المقبل لتقول كلمتها في الإستحقاق الذي سيدعو اليه رئيس الجمهورية على الأرجح يوم الثلاثاء المقبل، او الذي يليه على ابعد تقدير.
وتقول المصادر لـ “المركزية” ان ليس في هذه المعادلة ما يدعو الى الإستغراب، فكل العارفين هم على علم بتطورات الأحداث التي تشهدها المرحلة والكثير من تفاصيلها. هي محصيّة بلحظاتها، اذ كانت العيون التي استفاقت على الإنتفاضة الشعبية ترصد بالوسائل المتاحة كافة، طريقة اداء الحكم والحكومة في المواجهة المفتوحة على شتى الإحتمالات، مع حراك غير متوقع لا في شكله ولا في مضمونه وقد تسبب بهزات عميقة ضربت الصفوف الداخلية والمتناحرة في آن، وزرعت الشكوك بين ابناء البيت الواحد وعمت “الصعقة” بتردداتها السريعة كل الساحات، بما فيها تلك التي كانت محصّنة بالاحادية او بالثنائية التمثيلية المذهبية او الحافلة بكل الوان الاطياف السياسية.
وعليه، لم يكن مستغربا، ان يلجأ الجميع الى الأسلحة المتوفرة لديه، فقد فرضت التطورات خطوات تترجم الإنقسام الذي تسببت به الأحداث وزاد منها التفكك على مستوى اهل الحكم. فتكثفت الضغوط على الحريري، تارة بالترغيب وطورا بالتخويف مما يلي الإستقالة والكوارث المتوقعة، عدا الشغور الوهمي. في ما هو – اي الحريري – كان في الموقع الأقوى. ففي ظل التشدد الذي عبر عنه رئيس الجمهورية ميشال عون، ومعه التيار الوطني الحر وحليفهم حزب الله الأكثر تشددا من اجل القضاء باكرا على كل مظاهر الإنتفاضة وخصوصا تلك التي شهدتها الساحة المسيحية ومحاولات استيعابها وتفكيكها بأسرع وقت، كانت المبادرة قد اصبحت في حوزة الحريري ومعه مفتاح الأزمة الى المزيد من التوتر او الحلحلة لمجرد الإقدام على اي قرار، الصمود او الإستقالة التي باتت حتمية في ظل فقدان الأمل بامكان احياء الثقة بحكومة “الى العمل” واستعادة نشاطها.
وفي ظل الخلاف حول حجم المؤشرات التي حسمت الواقع الجديد كان هناك من يعتقد ان الحريري قدر المخرج المتاح من اللحظة الأولى. ففي الأيام الأولى للانتفاضة قدم الرئيس المستقيل اول المؤشرات في رسالة العتب التي وجهها الى “اهل التسوية السياسية” و”شركائه” في الحكومة قبل طلب مهلة الساعات الـ 72 من المنتفضين. فقد كان ثابتا لديه ومعه كامل فريقه ومستشاريه معدي الورقة الاقتصادية انها لن ترضي احدا من اهل الحراك، وسترفض فور تلاوتها لأن المطلوب ليس المزيد من الوعود بل اعادة نظر في الإداء والتركيبة الحكومية المترهلة التي اتعبتها الخلافات الداخلية.
وجاءت حركة المشاورات في اعقاب الإستقالة وتحديدا بين الأكثرية النيابية التي كانت لا تريدها، فاعتبرت انها غير منسقة سلفا مع رئيس الجمهورية فيما اعتبرها حلفاء العهد الآخرون “طعنة” في الظهر، لتوحي ان هناك قرارا بالإنتقام من الرجل. فاجرى رئيس الجمهورية جملة مشاورات شملت عددا من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين لاستمزاج رأيهم بامكان التكليف للتأليف. لكن العملية انتهت وكأنها “عملية كومندوس” سرية تبرأ منها منفذوها – وكان من بينهم من استخدم سيارة تاكسي ومن استخدم سيارة بلوحة وزارية – في طريقه السرية الى بعبدا، الى عدم وجود بديل من الحريري، وانتقل النقاش لفترة بسيطة الى امكان تسمية احد من فريقه الأقرب في حال استحالت عودته لسبب من الأسباب.
وتبعا لذلك، وفي ضوء التجارب الفاشلة، تهاوت السيناريوهات البديلة من اعادة تسمية الحريري واحدة تلو الاخرى، الى ان رست عليه من جديد من مخرجين: الأول يكمن في اصرار حزب الله على حكومة سياسية تقود البلاد وتحمي “المقاومة” بثلاثيتها في ظرف استثنائي “خطير” تعيشه ومعها لبنان دون ان يميز بينهما، والثاني نتج من اصرار الحريري على حكومة تكنوقراط لإدارة المرحلة بعيدا من التسويات السياسية، وبشروط متشددة فكان التفاهم على ترجيح التوجه الى حكومة ” تكنو سياسية” مختلطة.
وعند بلوغ المرحلة البحث في رأس الحكومة تم التوصل الى المخرج الذي يعيد الحريري الى السراي، فقيل انه وفي حال استبدال الوزراء المستفزين للناس على قاعدة الفصل بين النيابة والوزارة، فان هذه المعادلة لا تنطبق على موقع رئيس الحكومة كونه “ميثاقيا”. ولطالما اكد الرئيس عون حقه في رئاسة الجمهورية لأنه الأكثر تمثيلا للمسيحيين بعد تجربة رئيس مجلس النواب نبيه بري المختار من الثنائية الشيعية، من الطبيعي ان يكون الحريري ممثلا اول للسنة في موقع رئاسة الحكومة.
وتنتهي المصادر الى القول ان البحث اليوم، وقد تجاوز مرحلة تسمية الحريري بنسبة كبيرة، يتركز على المرحلة التالية، وتحديدا اختيار الشخصيات الوزارية التي توحي بالثقة لدى المنتفضين وعموم المواطنين. فبعض الأسماء مطلوبة بإلحاح من التكنوقراط في الحقائب الخدماتية لتكون الحقائب الأخرى للمسيّسين.