كتب بيير غانم في “العربية”:
ما زال الموقف الأميركي مما يحدث في لبنان عالقاً بين ما يجب فعله أو عدم فعل أي شيء على الإطلاق، مع أن واشنطن تعتبر ما حدث منذ أسبوعين من تظاهرات “حدثا تاريخيا”.
يعتبر الأميركيون أن اللبنانيين خرجوا إلى الشارع اعتراضاً على الفساد وخوفاً من الانهيار الاقتصادي، مطالبين بالإصلاحات الضرورية، وقد ذكر وزير الخارجية الأميركي هذا الكلام في بيان له منذ أيام مع إضافتين مهمتين، الأولى هي الإشارة إلى استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث دعا الزعماء اللبنانيين إلى تسهيل تأليف حكومة جديدة، والإضافة الثانية كانت توجيه نداء إلى الجيش اللبناني وقوات الأمن لمتابعة حماية حقوق المتظاهرين بالأمن والتعبير عن الرأي.
المطالب وحزب الله
ولاستيضاح الموقف الأميركي أكثر، تحدثت “العربية.نت” إلى أكثر من مسؤول أميركي وإلى ناشطين في الشأن اللبناني على اطلاع بتوجهات الإدارة الأميركية، ليتبين وجود شبه توافق على أن إدارة الرئيس الأميركي ترى في لبنان أمرين مختلفين: الأول هو أن حزب الله تنظيم إرهابي ويجب مكافحته، والثاني هو أن المتظاهرين يقومون بعمل مستقل، ولا تريد الولايات المتحدة الوصل بين سياستها ضد حزب الله وما يطالب به المتظاهرون، بل يعتبر الأميركيون في الإدارة أن ما حدث “تاريخي” ويجب دعمه لضمان وصول اللبنانيين إلى حكومة “صالحة” تعالج مشاكل الفساد والركود الاقتصادي، أما مواجهة حزب الله فمسألة أخرى.
تمويل حزب الله
وعند السؤال والإلحاح بشدة على المسؤولين الأميركيين يقرّون أن إصلاح الدولة اللبنانية سيكون له تأثير ما على تمويل حزب الله، المنخرط في تمويل نفسه ونشاطاته من خلال التخريب واستغلال خزانة الدولة اللبنانية.
إلى ذلك، يشير بعض المسؤولين الأميركيين إلى أن بعض النقاشات الداخلية تلمّح إلى أن ما يحدث هو تحرّك ضد حزب الله وإيران وأهدافها، لكن هذا الكلام ليس جزءاً من الخطاب الرسمي الأميركي.
“متلازمة الاتهام”
وفي هذا السياق، يرى بعض اللبنانيين المنخرطين في حوارات مع أفراد في الإدارة الأميركية، أكانوا في مجلس الأمن القومي أو في وزارة الخارجية، أن الولايات المتحدة ترى أنها لا تملك وسائل الضغط الكافية للتأثير على مسار الأحداث، كما أنها مصابة بـ”متلازمة الاتهام” ولا تريد أن تظهر وكأنها تؤيّد المتظاهرين فتبدو بالتالي وكأنها تقوم “بعمل سلبي” يؤذي المطالب بدلاً من تشجيعها.
لكن ما لا شك فيه أن الولايات المتحدة مرتاحة إلى دور الجيش اللبناني وقوات الأمن، فقوات الأمن اللبناني منعت حزب الله وعناصر حركة أمل من التمادي في الاعتداء على المتظاهرين، وتبدو أنها حامية لهذه التظاهرات وليست عصا يستعملها رئيس الجمهورية أو حزب الله وحلفاؤه لقمع المتظاهرين.
ويهمس الأميركيون بأن أحد الأمور الإيجابية هي أن الولايات المتحدة أعادت بناء علاقاتها مع الجيش اللبناني منذ العام 2006 وقيادة الجيش لا تتصرّف مع المتظاهرين بعقلية “النظام السوري”، كما أن الخطوط بين واشنطن واليرزة حيث قيادة الجيش اللبناني مفتوحة مثلما كانت مفتوحة بين واشنطن والقاهرة في العام 2011.
“كل الحكومة مسؤولة”
وعلى الرغم من وجود من يطالب واشنطن بموقف أكثر وضوحاً، ووضع خطط عملية لحماية التظاهرات، التي من الممكن أن تمتد أشهراً مثلما حدث في الجزائر، إلا أن الأميركيين لا يبدون حتى الآن أي حماس لانخراط مباشر أو للدخول في التفاصيل، ويقتصر كلامهم على المبادئ الرئيسية وهي الإصلاح ووقف الفساد.
ولعل اللافت أيضاً أن المسؤولين الأميركيين لا يريدون حتى الحديث عن الأشخاص، بمن فيهم رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، بل يعتبرون أن كل أعضاء الحكومة اللبنانية يتحمّلون المسؤولية المشتركة عن انهيار الاقتصاد اللبناني والهدر في الخزينة والفشل في ضمان مستقبل أفضل للبنانيين.