«عملية التكليف» تبدو محصورة بين خيارين اثنين: إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا هو الاحتمال المرجح وفق كل المؤشرات.. أو تسمية شخصية سنية أخرى غير الحريري، وهذا احتمال ضعيف ولكنه موجود.
حتى الآن، لم يتخذ فريق الأكثرية النيابية أي قرار في أي اتجاه.
فالوضع ضبابي ودقيق ويخضع لنقاشات متأنية، وحركة المشاورات السياسية مازالت جارية ولم تصل الى نتيجة حاسمة والى تسمية شخصية لتولي رئاسة الحكومة، لا سعد الحريري ولا غيره، كما لم يحدد بعد لا شكل الحكومة ولا مضمونها ولا طبيعتها وتركيبتها.
ومن الواضح أن فريق ٨ آذار مازال تحت «صدمة استقالة الأمر الواقع»، ويبحث في أسبابها وخلفياتها وفي نتائجها وكيفية التعاطي مع مرحلة ما بعد الاستقالة.. وحتى الآن لم يقل أحد من هذا الفريق إنه مع أو ضد الحريري. والخلاصة أن تسمية الحريري ليست سهلة ولكنها مرجحة، وأن التكليف مشروط بتفاهمات عريضة في شأن التأليف.
رغم شعور المرارة والسخط لدى رئيس الجمهورية وحزب الله إزاء خطوة الحريري التي جاءت من خارج سياق التسوية ولم تأخذ بنصيحة السيد حسن نصرالله و«لاءاته» (لا لاستقالة الحكومة، لا لحكومة تكنوقراط، لا إسقاط للعهد)، فالاعتقاد السائد أنه ليس هذا وقت المعاملة بالمثل والتخلي عن الحريري و«الاقتصاص منه» وتصفية الحساب معه، وإنما وقت المواجهة مع وضع استثنائي فيه تهديد جدي لمجمل الاستقرار الاقتصادي والنقدي والسياسي والأمني، ولا يحتمل مغامرات وخطوات غير محسوبة.
فلو كانت المسألة مسألة أكثرية نيابية وتكليف من يحصل على أكثرية النصف زائد واحد، لكان الخيار اتجه الى «حكومة أكثرية» برئاسة شخصية سنية من خارج نادي رؤساء الحكومات، ولكن المسألة ليست بهاتين البساطة والسهولة.
ومثل هذا التوجه دونه محاذير وأسباب وحسابات تجعل أن خيار بقاء أو عودة الحريري الى رئاسة الحكومة هو المرجح… ومن أبرز هذه الأسباب:
٭ ميزان القوى السياسي لا يحدده فقط «مجلس النواب» في هذه المرحلة بعدما دخل «الشارع» لاعبا جديدا على الطاولة وعنصرا جديدا في المعادلة لابد وأن يؤخذ في الاعتبار.
فإذا كان حزب الله يمسك بورقة الأكثرية النيابية، فإن الحريري يتحكم بورقة الشارع أكثر من غيره.
فأي حكومة لا ترضي الشارع تشعل الثورة من جديد، وأي تكليف لا يرضي الشارع السني تحديدا سيؤجج حالة التوتر والانفعال داخله إذا ما أقصي الحريري، وستقوى مخاطر شارع مقابل شارع في وضع ارتفع فيه منسوب التوتر السني ـ الشيعي.
٭ الاعتبارات والمفاهيم التي أدخلت بعد الطائف وبعد اتفاق الدوحة، مثل الميثاقية وحكومات الوحدة الوطنية، تجعل من الصعب بمكان مجيء شخصية الى رئاسة الحكومة لا تحظى بـ «بيئة سنية حاضنة» وأكثرية سنية في البرلمان.
والحال أن سعد رفيق الحريري هو الزعيم السني الأول ويحظى بتأييد مرجعيات الطائفة السياسية والدينية، واستعاد بريقه وشعبيته في الشارع، في حين أن أي شخصية سنية أخرى، وإن حظيت بتأييد الأكثرية النيابية، فإنها ستكون مقاطعة من الأكثرية السنية.
٭ الأزمة الاقتصادية المالية الخطيرة تتطلب رئيس حكومة على اتصال وتفاعل مع المجتمع الدولي والعربي، ولا تحتمل تجارب ومناورات كسب أو هدر الوقت، وحتى انها لا تحتمل أزمة حكومة تصريف أعمال لأمد طويل. في حال رست عملية التكليف على الرئيس سعد الحريري، ينتقل البحث الى عملية التأليف التي تبدو محصورة أيضا بين خيارين:
– حكومة سياسية من ٢٤ وزيرا مع إلغاء وزارات الدولة، تبقي على التوازن السياسي الحالي المنبثق عن برلمان ٢٠١٨ ولكنها تحمل وجوها وأسماء جديدة لإحداث تغيير في الشكل على الأقل.
– حكومة تكنو ـ سياسية خليط من اختصاصيين وسياسيين، ذلك أن حكومة التكنوقراط مرفوضة لأسباب سياسية، لأنها تعني عمليا خروج وزراء حزب الله والوزير باسيل، في حين أن الحكومة السياسية مرفوضة لأسباب اقتصادية، لأن الوضع الاقتصادي يفرض وجود فريق من الخبراء مؤهل لاتخاذ القرارات السريعة والصعبة.
بين هذه اللاءات المفترضة «لا حكومة تكنوقراط».. «لا حكومة أكثرية».. لا حكومة سياسية بالكامل.. ترتفع أسهم تشكيل حكومة تكنو ـ سياسية مختلطة، وممكن معها تقليص فترة تصريف الأعمال.