كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
ثمّة احتمال جديّ بانقطاع المُستلزمات والأدوات الطبية في لبنان بسبب امتناع المصارف عن فتح اعتمادات للتجار بالدولار. هذه الوقائع المُستجدة بسبب الأزمة النقدية تأتي لتفاقم الوضع المأزوم أصلاً للمُستشفيات بسبب الأزمة المالية وسياسات الدولة التقشفية.
تمتنع المصارف حالياً عن فتح اعتمادات بالدولار لمستوردي المستلزمات والأدوات الطبية، ما يُنبئ بتفاقم الأزمة التي تعصف بالقطاع الاستشفائي منذ أشهر، وفق رئيس نقابة المُستشفيات سليمان هارون. وهذا يعني عملياً إمّا ارتفاع أسعار هذه المعدّات، وبالتالي تكبيد المرضى كلفة إضافية نتيجة لجوء التجار إلى شراء الدولارات من الصرافين و«السوق السوداء». أو انقطاع هذه الأدوات نتيجة توقّف المُستشفيات عن تسديد فواتيرها في ظلّ تراكم الديون المستحقة لها على الدولة.
هارون أوضح لـ«الأخبار» أنّ المخزون الحالي للمُستلزمات الطبية المتوفّر لدى معظم المُستشفيات في لبنان «يكاد يُلبّي احتياجات السوق، ومن المتوقّع أن نشهد انقطاعاً في كثير من الأدوات الطبية، في ظلّ تفاقم الأزمة الراهنة»، مُشيراً إلى «أننا أمام أزمة خطيرة وفعلية في الشهرين المُقبلين ما لم يتم تدارك الوضع».
وتشمل هذه المُستلزمات الأدوات الجراحية والسماعات الطبية وأعمدة المصل والأسرّة وبعض السوائل مثل المحلول الكحولي والمُطهّرات وأقنعة الأوكسيجين والملبوسات الطبية وضمادات الجرح والشاش المُعقّم وأدوات التشخيص الأولية والإبَر وأجهزة الأوكسيجين. كما تشمل المختبرات والأشعة ومُستلزمات عيادة طب الأسنان والأمصال والقفازات الطبية والخيطان والجبصين وغيرها.
مصادر وزارة الصحة أوضحت أنّ المُستلزمات الطبية وما هو بحكم الدواء لم تدخل ضمن اعتمادات الأدوية التي لحظها مصرف لبنان (قدرت بنحو مليار و400 مليون دولار)، علماً بأن انقطاع هذه المُستلزمات، وفق عدد من المختصّين، لا يقلّ أهمية عن انقطاع الأدوية، «لأنّ الهدف من توفر معظمها في الأساس هو رعاية المريض وتأمين العناية له بشكل آمن يقيه من انتقال الأمراض ويساعده على العلاجات».
ويعود الارتفاع المُرتقب للأسعار إلى أن امتناع المصارف عن فتح اعتمادات للتجار سيؤدي إلى لجوئهم إلى شراء الدولارات من الصرافين و«السوق السوداء»، ما يعني تكبيد المُستشفيات، وبالتالي المرضى، كلفة الفارق في سعر الصرف. وتُفيد معلومات «الأخبار» بأنّ هذه المعضلة بدأت قبل اندلاع التحركات الاحتجاجية، لكنها لم تكن بهذا «الوضوح»، إذ كانت بعض المصارف «تتحايل» على الأمر بالتعاون مع بعض الشركات عبر «نصحها» بشراء الدولارات من السوق السوداء أو عبر فرض سقف للاعتمادات.
أمّا بالنسبة إلى «سيناريو» الانقطاع المُرتقب للمعدّات، فهو مرتبط بعجز كثير من المُستشفيات عن تسديد فواتيرها بسبب عدم تحصيل أموالها من الدولة، الزبون الأساسي لها (سواء من خلال وزارة الصحة أو تعاونية موظفي الدولة أو الأسلاك العسكرية). إذ وصلت الديون المتراكمة على الدولة لمصلحة المُستشفيات في النصف الأول من العام الجاري الى نحو 464 مليون دولار، فيما يبلغ المجموع الإجمالي للديون المتراكمة نحو مليار و300 مليون دولار.
وكانت نقابة المُستشفيات قد حذّرت منذ أشهر من تفاقم الأزمة المالية وتعاظم تداعياتها على القطاع الاستشفائي. ولفتت يومها إلى إقفال أحد المُستشفيات في سنّ الفيل بسبب وقوعها في العجز، فضلاً عن إقفال أقسام السرطان في عدد من المُستشفيات، واشارت إلى أنّ هناك عشرة مُستشفيات من أصل 127 متأخرة عن دفع فواتير مورّدي الأدوية.
هذا الوضع المأزوم يبدو متجهاً إلى مزيد من التفاقم، وخصوصاً بالنسبة الى المُستشفيات التي تعتمد إيراداتها على الجهات الضامنة. وعلمت «الأخبار» أنّ مُستشفيات كبيرة في بيروت أقفلت أخيراً عدداً من أقسامها، فيما لجأ بعضها إلى «تقسيط» رواتب الموظفين والأطباء والمُمرضين، فضلاً عن توجّه عدد منها إلى الامتناع عن إجراء العمليات المُكلفة على حساب وزارة الصحة. وبحسب المعلومات، يقوم عدد من المُستشفيات حالياً بوضع خطّة لـ«تقنين» نفقاتها ومن ضمنها آلية تسديد الرواتب في الفترات المُقبلة. فيما قالت مصادر الوزراة إن الاعتمادات المرتبطة بأموال المُستشفيات مرصودة من قبل وزارة الصحة، «إلّا أن الأمر متوقف على وزارة المال».