Site icon IMLebanon

من “نور” الفيحاء إلى ساحة “الشهداء”… الثورة “ماشية”

كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:

“أيقونة الثورة”، “لؤلؤة الثورة”، “نجمة الساحات”، أوصاف وأوصاف تطلق على ساحة “النور” في طرابلس، تلك الساحة التي كانت منذ سنوات رمزاً للتقاتل الأخوي بين جبل محسن وباب التبانة قبل أن تتحوّل إلى الشعلة التي لا تنطفئ.

حمل أبناء طرابلس مشعل الثورة منذ اليوم الأول، وباتت المدينة لا تنام، ينتظر الجميع مشهديتها كل مساء، وقد نفضت عنها غبار التّهم السياسيّة وانتفضت لرفع الظلم عنها وعن كل لبناني عانى من ممارسات الحكومات المتعاقبة.

في المقابل، فإن كل الساحات كانت مشتعلة في لبنان، لكن بعد إعلان إستقالة الحكومة فُتحت الطرق وعادت الأمور إلى طبيعتها في فرصة أراد الثوّار إعطاءها للطبقة الحاكمة لتلبية المطالب، لكن أيضاً بقيت الخِيم منصوبة في ساحة الشهداء تحسّباً لعودة الثوّار إليها لحظة تدعو الحاجة.

وتختصر ساحة الشهداء رمزية خاصة في الذاكرة اللبنانية، فهي الساحة التي تُمثّل وجه بيروت الحضاري ومآسي الوطن وثوراته وإنتفاضاته على مرّ الأزمان.

ويختزل مشهد ساحتَي “النور” و”الشهداء” صورة الوطن الذي يعاني والذي يعيش صراع البقاء، وفي الساحتين، شباب فقدوا الأمل بوطن الأرز نتيجة تصرّفات السياسيين وانصرافهم إلى السرقة والنهب، شباب يردّدون عبارة “ليش تركولنا خيار غير الثورة؟”، شبّان لم يتعبوا طوال الأيام السابقة على رغم حملات التخوين والإستهزاء منهم، وعلى رغم اليأس الذي كان مسيطراً في الزمن السابق، إلا أنه لديهم أمل بالمستقبل وبلبنان الغدّ إذا نجحت ثورتهم.

تجمع ساحتا “الشهداء” و”النور” الشعب المقهور بكل أطيافه وتلاوينه، هنا الناس الذين يُطالبون بأبسط حقوقهم، لا أحد يُطالب بالرفاهيّة بل بالعيش الكريم، هنا تسقط كل الطبقيّة ويصرخ الشباب بصوت واحد “ثورة ثورة ثورة”، وفي الساحتين لا مجال للمساومة على المطالب المعيشية.

 

من العاصمة الثانية للبنان إلى العاصمة الأولى رحلة ومسيرة طويلة بين بلد رُفعت داخله الحواجز الطائفية والمذهبيّة والمناطقيّة، ولم تستطع كل التحركات الشعبية السابقة، أي ثورة 14 آذار 2005 وتحرّك المجتمع المدني صيف 2015، التأثير في سياسة الطبقة الحاكمة أو هدم الحواجز وبناء جسور تواصل وحوار وإلتقاء.

من طرابلس الثائرة إلى المناطق الأخرى تحية سلام ومحبّة، فليل السبت شهدت ساحة “النور” حشوداً من كل المناطق، من صور والنبطية والجنوب، من الجبل الجنوبي وكسروان وجل الديب وجبيل وبيروت ومن مناطق الشمال، كلها حشود أتت لتهتف للثورة ولتبقى تعيش أمل التغيير وسط تسلل اليأس إلى النفوس نتيجة تمسّك الحاكمين بالكراسي وعدم الإستجابة لمطالب الشعب المحقّة.

وأمس وأمام أحد وحدة الساحات وأحد الضغط، لم تأبَ طرابلس ترك ساحة الشهداء، فنظّمت مسيرات من عاصمة الشمال بعد الظهر وعبر الثوار مناطق الشمال وقد رأوا في طرابلس ملاذاً آمناً لثورتهم، كذلك مرّوا في جبيل، من ثمّ في الزوق وجلّ الديب، تانِك الساحتان اللتان منعتا إنهيار الثورة وصمدتا لتعطيا للثورة طابعاً وطنياً عابراً للطوائف، خصوصاً أن هذه الحركة الشعبية التي حصلت لم تقتصر على طائفة أو مذهب أو منطقة، ووصل أبناء طرابلس إلى ساحة الشهداء التي شهدت الثلثاء الماضي إعتداء من “الشبيحة”.

في الأمس توحّدت الساحات وحشدت الثوّار في مشهديّة أكّدت أن الأحزاب الحاكمة لا يمكنها أن تستمرّ في المكابرة والقفز فوق مطالب الشعب وحقوقه المسلوبة، توحّدت الساحات في رسالة واضحة بأن الثورة الشعبية التي انطلقت في 17 تشرين الأول تكتب فصلاً جديداً من تاريخ لبنان، وهذا الفصل يطالب بالمحاسبة وعودة الأموال المنهوبة وتأليف حكومة إختصاصيين تنقذ البلد من الإنهيار الذي يهدّده، وإلا سينهار الهيكل فوق رؤوس الجميع.

من طرابلس إلى بيروت وكل المناطق تبقى شعلة الثورة مضيئة، ويبقى الأمل عند الشعب بولادة لبنان الجديد وإلا على “الوطن السلام”.