كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
عادت منطقة جلّ الديب لتُشكّل إحدى أهم محطات الثورة بعد إستراحة قصيرة أخذتها مثل مناطق عدّة، وذلك لإعطاء فرصة للسلطة لتغيير سلوكها والإستجابة لمطالب الشعب.
وتبدو الصورة واضحة للثوّار في جميع المناطق، وليس في جلّ الديب فقط، بأن السلطة لا تزال تُماطل، ولا يهمّها إلاّ تحصيل الحصص والمكاسب السياسيّة وكأن البلاد بألف خير والوضع المالي والإقتصادي لا يواجه خطر الإنهيار، وكأن الشعب لم ينزل إلى الساحات والطرقات.
ظُهر الأحد، أخذ فريق العهد نفَساً، وظنّ أن الجماهير التي صعدت إلى طريق قصر بعبدا لتجدّد “البيعة” لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون تختزل الساحات، وبأن الدعم الشعبي مؤمّن، وأن الشعب عاد إلى “السّبات العميق”، بعدما خدّرته إبرة إستقالة الحكومة.
لكن ما لم تحسب له السلطة حساباً تفجّر في المساء، حيث بدأ الحشد الجماهيري في ساحة الشهداء، ومن ثمّ تطوّرت الإعتصامات ليلاً وقُطعت الطرقات في كلّ لبنان وعلى رأسها أوتوستراد جلّ الديب الذي شكّل أحد أهم نقاط قوّة الثورة على مدى الأيام المنصرمة.
ويؤكد الشباب في جلّ الديب أنهم نزلوا إلى الشارع بعد مماطلة السلطة في الإستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة وتأليف حكومة مؤلّفة من تكنوقراط تباشر فوراً في المعالجات الإقتصادية وتضع حداً للإنهيار الحاصل لأن الإستمرار في سياسة المماطلة يُفقد الثورة رونقها ويطيح مطالب الناس، وبالتالي فإن السلطة يجب أن توضع أمام مسؤولياتها في هذه اللحظات الحرجة.
وعلى رغم صخب الإعتصامات والمصير المجهول الذي يواجه البلاد، فإن الملفت في جلّ الديب والجوار أن بعض المحالّ التي فتحت أبوابها قد أنزلت زينة الميلاد ووضعتها أمام أبوابها، في حين أنّ شوارع جلّ الديب وإنطلياس والزلقا والجديدة لم ترتدِ بعد ثوب العيد، فالجميع مشغول بالثورة وبتطوّرات البلاد وبالمصير المجهول، ولم يظهر أي أفق للحلّ بعد. تقف تظاهرات جلّ الديب عند مفترق طرق، فلا يمكن للثوار في المنطقة التراجع وترك الأمور تأخذ مجراها لأن لا ثقة بالسلطة، وباتت مطالبهم معروفة وتتلخّص بتأليف حكومة تكنوقراط، والمسارعة بتحقيق الإصلاح الموعود ووقف عجلة الإنهيار، وإستعادة الأموال المنهوبة التي هي ملك الشعب وتمّت سرقتها طوال الفترات الماضية، وبالتالي فإن التراجع يعني أيضاً نهاية الثورة.
ومن جهة أخرى، فإن جلّ الديب شكّلت إحدى أهم الساحات المسيحية للإعتصام، فهي مدخل بيروت الشرقي والتظاهر وقطع الأوتوستراد سيشكّل عامل ضغط إضافياً على السلطة، كذلك، فإن إعلان الرئيس سعد الحريري إستقالته أدى إلى فتح معظم الطرقات وغابت التظاهرات الحاشدة، وبقيت الثورة مشتعلة في طرابلس، وبالتالي فإن الثورة قد انحصرت وقيل عنها إنها ثورة مناطقية مذهبية على رغم أن ساحة “النور” في طرابلس شكّلت قِبلة الثوار من جميع المناطق، وقد كانت لجلّ الديب محطة في طرابلس ليل السبت – الأحد، بينما عودة الإعتصامات إلى كل المناطق تدلّ على أن الثورة شاملة وليست مناطقية أو مذهبية.
وأمام كل ما يجري، لا تزال الإتهامات تُكال على حزب “القوات اللبنانية” من خصومه وتحديداً من “التيار الوطني الحرّ” بأنه هو من يحرّك الشارع مجدداً وبأن شبابه هم الذين يقطعون الطرقات في المناطق المسيحيّة، وعلى رأسها جلّ الديب، ويحصل ذلك نتيجة التنظيم الذي يتمتّع به الحزب وقدرته على الحركة والحشد.
من جهته، يهزأ حزب “القوات” من هذه الإتهامات، ويعتبر أن “الإتهامات الجديدة لا تخرج عن سياق الإتهامات القديمة لحرف الأنظار عن الحراك، فبدل أن تعترف الأكثرية الحاكمة بالواقع الشعبي والإستجابة للمطالب وتأليف حكومة إنقاذية سريعاً، لا تزال تلك السلطة تحاول ضرب الثورة وإتهامها بالتسييس وبالتطييف والمذهبة، من خلال القول أن هذا الشارع يحركه هذا الحزب هنا أو ذاك الزعيم هناك”.
ويشير الحزب إلى أن 20 يوماً مرّت والبلد في هذه الحالة، وكل ذلك يحصل من دون أي حل في الأفق في ظل أزمة إقتصادية كبرى وأمام خطر الإنهيار، ويستمر أركان ا في طمر رؤوسهم في الرمال من دون المبادرة إلى أي حل، والحل هو الإعتراف بالواقع وإجتراح تسوية سياسية وطنية تأتي إعترافاً بهذا الواقع الجديد الذي أنتجه الشعب وتشكيل حكومة يقبل بها الناس وتنال ثقتهم، فمن دون ثقة لا حديث عن حلول ومخارج.
وتتوجه الانظار أكثر وأكثر إلى جل ديب لمعرفة مدى صمود الثوار الذين يؤكدون أن ثورتهم سلمية، في حين أن الجميع يعلم أن المشكلة سياسيّة ولا تحلّ بالقوة وإستعمال العصا الأمنية.