Site icon IMLebanon

الجيش في مرمى السهام العونية: الحل سياسي أولاً

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

في الثامن من آب 2015 خاض “التيار الوطني الحر” تحركاً أمام مجلس النواب ضد السلطة الحاكمة، آنذاك حذر رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون قائد الجيش العماد جان قهوجي من مواجهة الحراك وقال له حرفياً: “إيّاك يا جان قهوجي أن تنشر الجيش في مواجهتنا. لا يوضع الجيش في مواجهة تظاهرة سلمية. أنت تسيّس الجيش عندما تضعه في خدمة سياسيين”.

المشهد نفسه يتكرّر مع فارق الزمان والمكان والظرف السياسي. صار “التيار الوطني الحر” في السلطة، وثمة حراك في الشارع، والتيار هو نفسه الذي يطلب من الجيش التدخل لثني المحتجين عن إقفال الطرقات. ربّ قائل إن “الوطني الحر” لم يعمد إلى اقفال الطرقات يومها، ولكن طالما أن الحراك اختار إقفال الطرقات، وهو خيار ليس في محله على أي حال، إلا أن المواجهة لا يجب أن تكون بينه وبين الجيش.

منذ بدء الحراك الشعبي في الساحات، سُجل استياء “التيار الوطني الحر” من الأجهزة الامنية وخصوصاً الجيش. نواب حاليون وسابقون وأنصار لـ “التيار” كالوا الاتهامات بحقه وصنّفوه مع محور دون آخر، وصولاً إلى الغمز من قناة تراخي الجيش الذي لولاه لما تمكن المحتجون من إقفال الطرقات، خصوصاً أنه نجح في فتحها حين أراد ذلك قبل ثلاثة ايام، حتى إن البعض اعتبر أن صورة الجيش ودوره باتا على المحك، فضلاً عن الرسائل التي يتم تبادلها عبر “الواتساب” والتي تتحدث عن أجندات خاصة لقائد الجيش.

تصفية حسابات سياسية

لم يعد الأمر يحتاج الى فيض تحليل لاستنتاج وجود عملية تصفية حسابات سياسية، ومواجهة خفية بين قيادة الجيش والمسؤولين السياسيين في الدولة. منذ انطلاق الحراك كان لافتاً عدم زيارة وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال الياس بوصعب قيادة الجيش، أو التواصل مع غرفة العمليات للوقوف على حقيقة الوضع على الأرض. بات بحكم المؤكد أن العلاقة بين بوصعب وقائد الجيش ليست على خير ما يرام. يظن وزير الدفاع أن الوزير هو الآمر الناهي في قيادة الجيش، له أن يتدخل بأمور المؤسسة العسكرية، بينما الواقع أن الإمرة هي لرئيس البلاد بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة والذي هو على تواصل مستمر مع قيادة الجيش، وقد استمع قبل يومين إلى شرح مسهب عن عملها على الأرض وعن خطورة التعرّض للمحتجين وتجنّب سقوط ولو نقطة دم واحدة.

كل من يراجع قيادة الجيش عن تخلف عناصره عن منع المتظاهرين من إقفال الطرق يكون الجواب واحداً، وشبيهاً لإجابة اليوم الأول: الحل في السياسة وليس في الأمن لأن المواجهة قد تزيد من توتر المحتجين. واللافت أن السياسيين يتوجهون إلى الجيش دون غيره من القوى الأمنية، علماً أن مسؤولية حماية المتظاهرين أو مواجهة الشغب تقع على عاتق قوى الأمن الداخلي بمؤازرة الجيش، وليس الجيش وحده. وعلى امتداد اسبوعين وأكثر، لم يعقد المجلس الأعلى للدفاع الذي عادة ما يلتئم عند أي خطر أو وضع استثنائي يواجه البلاد. أخيراً تمنى قائد الجيش لو يجتمع المجلس الاعلى ليصدر تعليماته إلى الأجهزة الأمنية كافة حول آلية التعاطي مع الحراك. لكن الأمر قوبل برفض من الرئيس سعد الحريري الذي اعتبر ان الموضوع يجب أن يعرض على مجلس الوزراء مسبقاً. استقالت الحكومة وبقيت الأمور على حالها وبقي الجيش موضع تشكيك. وعندما تدخل الجيش وحصلت المواجهات في البداوي بينه وبين المحتجين، صار عرضة للاتهام وخرجت السلطة السياسية لتطالبه بإجراء تحقيق في ما حصل بدل أن تؤمن له غطاء سياسياً. وبعد استقالة الحريري ازدادت الاوضاع تأزماً نتيجة ما نقل عن رئيس الجمهورية عن نية لديه لمحاسبة الأجهزة الأمنية على تقصيرها، وجاء من يفسّر الكلام بأنه موجّه إلى قيادة الجيش تحديداً، وأن الرئيس ينوي طرح تغيير قائد الجيش في أول جلسة للحكومة المقبلة. رغم ذلك لم يصدر أي توضيح، كما لم يلحظ أي ذكر للمؤسسة العسكرية من قبل “التيار” ورئيسه، أو في خطابَي رئيس الجمهورية، ليوضح العلاقة “الملتبسة” بين الطرفين.