كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
ظهر الجيش امس الثلاثاء بصورة لم يعتد عليها المتظاهرون من قاطعي الطرق، بعدما استعمل «القبضة الحديدية» في مواجهة بعضهم ممن حاول مقاومة القرار الصادر بوجوب فتح الشرايين الجغرافية المسدودة في عدد من المناطق. ماذا تغيّر في حسابات الجيش؟ ولماذا تصرّف على هذا النحو، خلافاً لـ«تكتيك الاحتواء» الذي استخدمه منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين الأول؟
ليس خافياً أنّ سلوك المؤسسة العسكرية خلال الايام الـ15 السابقة كان موضع انقسام داخلي، إذ وجد فيه البعض مقداراً كبيراً من الحكمة والاتزان في لحظة لا تتحمل التهور والانفعال، بينما انتقده آخرون وأخذوا عليه الإفراط في المسايرة والليونة على حساب حقوق المواطنين الذين لا يشاركون في التظاهر، بل ان هناك من ربط «براغماتية» الجيش في التعامل مع المحتجين بحسابات رئاسية وسياسية.
ماذا يقول الجيش عن زيادة جرعات تشدّده في هذا التوقيت، وما ردّه على الاجتهادات في تفسير طريقة مقاربته الأمنية لمراحل الحراك؟
أبلغت مصادر عسكرية، رفيعة المستوى، الى «الجمهورية» ان الجيش اتخذ قراراً حاسماً بفتح الطرق المقطوعة، «وقد جرى تنفيذه أمس بحزم، على قاعدة تحصين الأمن وحماية حق المواطنين في التنقل، انّما مع الاستمرار في احترام حقّ التظاهر سواء في الساحات ام على جوانب الطرق».
وتشدّد المصادر على أنّ الجيش لم يقمع المتظاهرين، «بل هو حريص على حماية حق التظاهر، بمقدار حرصه على إبقاء الطرق العامة مفتوحة، والمطلوب من المحتجين ان يتفهموا هذه القاعدة».
وتلفت المصادر الى ان «قطع الطرق أمس الاول اتّخذ منحى سيئاً، لم يعد بالإمكان تقبّله، بعدما اختلط الحابل بالنابل، خصوصاً ان بعض المتظاهرين لجأ الى تصرفات نافرة ومخلّة بالأمن، من نوع طلب هويات أو فرض خوّات، إضافة الى تعطيل أعمال المواطنين ومنع الموظفين من الوصول الى مؤسساتهم وشركاتهم».
وتوضح المصادر العسكرية ان الجيش توصل الى استنتاج أن «الاستمرار في قطع الطرق، وما يرافقه من مشاحنات واحتكاكات بين المتظاهرين والمواطنين، أصبح يشكل تهديداً للأمن الوطني والسلم الاهلي، فاعتبرت القيادة ان هذه اللحظة تستوجب سلوكاً مغايراً، وبالتالي صدرت الأوامر الى الوحدات المنتشرة على الارض بضرورة إنهاء هذا الوضع بعدما تمّ إبلاغ المرجعيات المعنية بالقرار المتخذ».
وتشير المصادر الى ان «الجيش «طوّل باله» وصبر كثيراً خلال الاسبوعين الماضيين، معتمداً استراتيجية الحكمة والواقعية في التعامل مع التظاهرات والتجمعات، حتى تلك التي تمدّدت الى الشوارع الاساسية، وهو كان لغاية الامس القريب يتجنب الإقدام على أيّ «دعسة ناقصة» قد تفضي الى صدام مع المحتجين، إلّا انّ الواقع اختلف الآن بعدما تفاقمت شكوى اللبنانيين من ظاهرة قطع الطرق».
وتلاحظ المصادر أنّ «كثراً من المتظاهرين كانوا في السابق يؤيدون قطع الطرق فارتأى الجيش في حينه عدم مواجهة شريحة واسعة من الشعب، وأبدى تفهّماً لدوافع تحركها حتى لو تجاوز أحياناً الخطوط التي يرسمها القانون، إلّا أنّ الصورة تغيرت لاحقاً، وصار معظم المواطنين يعترضون على قطع الطرق، فتماهى الجيش مرة أخرى مع شعبه وتدخل لفتحها في التوقيت المناسب».
وتنفي المصادر العسكرية بشدّة أن تكون المرونة التي أبداها الجيش خلال المرحلة السابقة حيال ظاهرة إغلاق الشوارع، نابعة من حسابات رئاسية لقائد الجيش العماد جوزف عون، كما اتّهمه البعض، مؤكدة انّ «المناصب لا تهمه ولا يطلبها، بل هو ينفّذ فقط واجباته وفق ما تقتضيه الاعتبارات الوطنية والميدانية».
وتضيف المصادر: العماد جوزف عون يحسب حساباً لكلّ شيء باستثناء مسألة الوصول الى رئاسة الجمهورية.
كذلك، تنفي المصادر وقوع أيّ خلاف أو تباين بين رئيس الجمهورية وقائد الجيش حول كيفية التعامل مع المتظاهرين وإغلاق الشوارع، مشدّدة على انّ الرئيس عون هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ولم يحصل ان طلب من الجيش قمع المحتجين، «ذلك انّه يعرف تماماً حساسية الوضع وضرورة معالجته بدقة».
وتؤكد المصادر أن لا صحة أيضاً لوجود مشكلة مع الوزير جبران باسيل، مشيرة الى أنّ كل ما يُحكى في شأن توتر العلاقة بين اليرزة وبعض المسؤولين او الشخصيات السياسية «لا يعدو كونه رصاصاً عشوائياً في الهواء».
وتقول المصادر «لو انسحب الجيش من الارض لكانت الأمور قد أفلتت من السيطرة، ولو واجه المحتجين بعنف منذ الايام الاولى للحراك لكانت النتائج وخيمة ايضاً، وبالتالي فهو استبعد الخيارين واختار التصرف برباطة جأش طيلة الفترة السابقة، خصوصاً ان الموجودين على الارض هم مواطنون وليسوا عصابات، لكن عندما وجد انّ هناك ضرورة لتعديل سلوكه ربطاً بالوقائع المستجدة، بادر الى استخدام الحزم لحماية الانتظام العام».
وتشدّد المصادر العسكرية على ان المعالجة الجذرية للوضع الحالي ليست ميدانية، بل سياسية، داعية المعنيين الى ايجاد الحلّ السياسي المطلوب.