كتب د. بيار الخوري في “الجمهورية”:
أصدر مصرف لبنان تعميماً يتعلق بزيادة رسملة المصارف بنسبة تصل الى ٢٠ في المئة من الاموال الخاصة، أي ما تتجاوز قيمته ٤ مليارات دولار. وطلب في التعميم أيضاً من المصارف عدم توزيع أرباحها السنوية المقدّرة بحدود ١.٦ مليار دولار سنوياً.
إنّ هذين التعميمين يشكلان بداية لتحوّل كبير في هيكل القطاع المصرفي اللبناني، في هذا الظرف الذي يتميّز بضعف غير مسبوق لسيولة المصارف لم نشهده حتى في ظل أعتى الحروب التي مرّت على لبنان. لماذا؟
نحن نعلم أنّ مصرفاً أوروبياً كبيراً قد اشترى حصة في مصرف لبناني كبير منذ سنتين تقريباً، وقيل بعدها انّ المصرف نفسه قد أقرض مستثمراً كبيراً لشراء حصة في مصرف آخر بصيغة leveraged buyout (LBO).
دعونا نقول إنّ المصارف إذا لم تستخدم أرباحها الموزّعة لضَخ رساميل جديدة (وهو ما حَظّره تعميم مصرف لبنان)، فهي ستكون مُجبرة على إعادة فتح السوق المصرفي أمام الشراكة مع المصارف الاجنبية، وبالأخص الاوروبية، وبشروط تفاوضية قاسية جداً على المصارف المحلية في هذا الظرف الاقتصادي النقدي السيئ، وهو أمر لم يحصل بشكل ملحوظ منذ ما قبل الحرب الاهلية اللبنانية. فالقطاع المصرفي اللبناني تميّز أنه ذات ملكية وطنية وسيطرة وطنية ساحقة.
وعلى عكس ما افترضت بعض التحليلات الرصينة من انّ البنوك سوف تعيد تعبئة رساميلها بالاستناد الى أرباحها غير الموزعة، فإنّ التعميم قد استهدف بالضبط مَنع البنوك من استخدام هذا الخيار.
كما تجدر الاشارة الى انّ التقسيمات الفرعية ضمن مجموعات المصارف اللبنانية، تجعل من الربحية العالية للمصارف ربحية احتكارية لبعض البنوك من فئة ألفا. انّ غالبية البنوك اللبنانية تعيش في مرحلة «حب البقاء»، والذي يقوم على الحَد الضروري من التدفقات النقدية والربحية للاستمرار بانتظار ظروف أفضل.
إنّ هذه الفئة الواسعة عددياً من المصارف سوف تكون عرضة للاستحواذ، إن عَبر الدمج او البيع او غيرها من الاشكال التي أتاحها قانون الدمج. منذ سنوات يجري الحديث عن قطاع مصرفي أصغر حجماً وأكثر تنافسية، وربما نصل الى ٢٠ مصرفاً في السوق.
لقد دخل القطاع المصرفي مرحلة جديدة مدفوعة بالتخفيض المتواصل لتصنيف الديون السيادية اللبنانية، والذي يؤدي الى تخفيض مواز في تصنيف أكبر البنوك، كونها متورّطة في محافظها بشكل غير مسبوق بالدين العام.
إنّ البنوك مُطالبة بالعودة الى دورها الطبيعي في تغذية شرايين الانتاج والحركة التجارية (لنلاحظ أنّ التعميم قد تزامَن مع وقف التسهيلات الممنوحة للقطاعات الاقتصادية) بَدل مزيد من الغرق في ديون قطاع عام متفلّت، ولكنّ الخطر أن يتحوّل القطاع المصرفي مع الوقت الى قطاع مملوك في غالبيته للبنوك والرساميل الاجنبية.
جريمة من هذه؟ جريمة حكومات لم تفكر إلّا بشهواتها، وجريمة مصرفيين استَسهلوا الربح بلا تعب ولا مخاطرة.