يقول مراقبون إن الأجواء التي ترشح من لبنان تشي بأن هناك توجها نحو تكليف الحريري برئاسة الوزراء، لأن باقي الخيارات تبدو فرص نجاحها ضعيفة، ويلفت هؤلاء إلى أن لقاء بعبدا وما تلاه من تصريحات لبري قد تعكس أيضا موقف حزب الله من هذا التكليف، لكن ذلك لا يعني أنه تم الإفراج عن التأليف خاصة وأن العقدة الأساسية لم يتم حلحلتها وهي طبيعة هذه الحكومة.
ويشير المراقبون إلى أن الظرف الحالي يختلف عن الظرف الذي جاء بالتسوية السياسية في العام 2016، حينما كان حزب الله يماطل في إعطاء موافقته على الحريري رئيسا للحكومة.
وفيما يستمر التحرك الشعبي وفق دينامياته الخاصة الرافضة لكل الطبقة السياسية، وفيما تتبدل وسائل الاحتجاج وتتنوع لتطال أهدافا لطالما كانت ترمز إلى ظواهر الهدر والتسيب المالي والفساد، فإن بعض المصادر تدعو إلى عدم التقليل من شأن الحضور الكثيف للقاعدة الشعبية للأحزاب السياسية، ما يؤشر إلى إمكانية التخفيف من حجم واندفاعة وشمولية الحراك في حال توصلت القوى السياسية إلى تسوية مقنعة بشأن شكل الحكومة وهوية رئيسها وطبيعة عملها ونوعية أعضائها.
وعلى الرغم من تضارب المعلومات حول مضمون مداولات اجتماع الحريري مع وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي سبق بساعات لقاء بعبدا، إلا أن ما تسرّب ما زال يكشف عن وجود فجوة كبرى بين ما يطالب به الحريري مدعوما من زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وزعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بتشكيل حكومة تكنوقراط، وما يتمسك به باسيل مدعوما من قوى “8 آذار” بزعامة حزب الله من رفض لحكومة تخلو من السياسة والسياسيين.
ويرى محللون أن ما يحمله باسيل يمثل رأي حزب الله الذي، وإن يعترف بالطابع المطلبي للحراك، فإنه يرى أيضا أن هناك محاولة خارجية للانقلاب على المشهد العام الذي تمكن الحزب من الإمساك بمفاتيحه.
ويضيف هؤلاء أن حزب الله ما زال يدافع عن خيار تشكيل حكومة سياسية مطعمة باختصاصيين يخضعون لقرار التيارات السياسية بهدف توفير غطاء سياسي كامل يمثل لبنان ضد أي محاولات خارجية للنيل من شرعية “المقاومة”.
واستبعدت مصادر سياسية لبنانية مقربة من الحريري قبوله تشكيل الحكومة إذا بقي جبران باسيل وزيرا فيها.
وترى مصادر دبلوماسية في بيروت أن إيران غير عازمة على “تسليم” ملف لبنان لحكومة تكنوقراط دون أي مقابل سياسي. وتضيف المصادر أن موقف طهران يقابله موقف خارجي يشجع على قيام حكومة اختصاصيين تتولى انتشال البلد من أزمته الاقتصادية والمعيشية. وتلفت المصادر إلى أن ما تسرّب من الخارج يدفع باتجاهين؛ الأول بأن يتولى الحريري شخصيا رئاسة حكومة التكنوقراط نظرا إلى ما يتمتع به من علاقات ستساعد في الحصول على المساعدات المالية، لاسيما تلك المرتبطة بمؤتمر سيدر. والثاني لا يرى ضرورة ملزمة لبقاء الحريري، وأن يكون رئيس الحكومة من الاختصاصيين بحيث تخلو الحكومة من أي حسابات سياسية.
ويلاحظ المراقبون تحرك الحريري وفق هامش مريح. وتستنتج بعض المصادر البرلمانية أن الحريري يستفيد من الضغط الذي يمارسه الشارع وهو يستند على حراك الناس في السعي لحمل حزب الله والتيار العوني على تقديم تنازلات للإفراج بأسرع وقت عن الصفقة الحكومية الجديدة. وترى المصادر أن استقالة الحكومة ووزراء القوات اللبنانية قبل ذلك حرّر فريق الحريري جعجع جنبلاط من السهام التي يطلقها الحراك الشعبي، وأن غضب الناس ضد كل الطبقة السياسية في لبنان لا يمنع روحية تلك الاحتجاجات لإدراك هوية القوى التي تقف هذه الأيام ضد أي حلّ يشكل صدمة إيجابية كبرى في البلد.
ورجحت معلومات أن يتم لقاء مباشر بين الحريري وحزب الله للتداول في أمر الصفقة الحكومية. وتكشف المعلومات أن الحزب يذهب إلى القبول بالحريري على رأس الحكومة المقبلة، وأن بعض السيناريوهات ترجح قبول الحزب بحكومة تكنو سياسية من 22 وزيرا لا تضمّ صقورا من الأحزاب، مثل جبران باسيل وعلي حسن خليل وأكرم شهيّب وغيرهم، ويتمثل فيها المجتمع المدني بوزراء من الحصتين المسيحية والسنية، ومجموعة من الاختصاصيين الحزبيين أو المقربين من المرجعيات السياسية.