كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
يتعامل «حزب الله» بكثير من الارتياب مع محاولات تأليف حكومة تكنوقراط صافية على أنقاض حكومة الرئيس سعد الحريري المستقيلة، لاقتناعه بأنّ هناك غايات سياسية خبيثة تختبئ خلف الواجهة البرّاقة لهذا الطرح.
منذ أن خرج الجيش السوري من لبنان عام 2005 وغابت الضمانة الاستراتيجية التي كانت تمثّلها دمشق بالنسبة الى المقاومة، تغيّرت نظرة «حزب الله» الى طبيعة حضوره في السلطة ووظيفته السياسية.
وبالتالي، لم يعد مُكتفياً بوجوده في مجلس النواب الذي دخله للمرة الاولى عام 1992، بل أصبح يعتبر أنّ تمثيله في الحكومات صار أمراً إلزامياً وحيوياً، لتثبيت التوازن الداخلي والدفاع مباشرة عن المقاومة في مواجهة أي استهداف، الى جانب حماية حقوق بيئته ومصالحها.
لم يكن «حزب الله» يهتم، طيلة الحقبة السابقة، بنوعية الحقائب الوزارية التي تُناط به، الى درجة أنه لم يعترض في معظم الأحيان على منحه وزارات ثانوية لا تتناسب وحجم قوته في لبنان والاقليم. لقد كان المعيار من وجهة نظره هو مبدأ الحضور في حد ذاته، وليس وزنه الذي يمكن تعويضه من خلال التوازنات والتحالفات.
يعرف الحزب انّ المساحة التي يشغلها في الحكومة تزعج الأميركيين، لأنها تشكّل رئة سياسية له ورافداً من روافد شرعيته الرسمية، في وقت تسعى واشنطن الى شدّ الخناق عليه بالحصار والعقوبات، وتدفع في اتجاه نزع كل أنواع الحصانات عنه، ومن بينها «الحصانة الوزارية».
أمام كل هذه الاعتبارات والمحاذير، لا يُخفي الحزب رفضه صيغة حكومة التكنوقراط التي ينادي بها بعض الحراك الشعبي بعفوية وصدق نتيجة أزمة الثقة المستفحلة في الطبقة السياسية، «لكن هناك جهات خارجية وداخلية تتلطى خلفها لتغيير موازين القوى وإقصاء الحزب عن السلطة التنفيذية، مُفترضة أنها تستطيع من خلال «القوة الناعمة» تحقيق ما عجزت عنه الحروب والضغوط بأشكالها المختلفة»، وفق القناعة السائدة في الضاحية.
يبدو الحزب على اقتناع تام بأنّ خصومه يحاولون توظيف اندفاعة الحراك ونقمته على السياسيين في اتجاه إعادة تكوين السلطة وتوازناتها، خلافاً لنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي منحت الأكثرية النيابية والوزارية لفريق الحزب وحلفائه، وهو لا يفصل إسقاط الحكومة، ومن ثم الترويج لمعادلة التكنوقراط، عن مُجمل هذا السياق وما ينطوي عليه من استهدافات مضمرة.
بهذا المعنى، يشعر الحزب أنّ الهدف الضمني والأساسي لدى البعض في هذه اللحظة المصيرية ليس الخروج من الأزمة الاقتصادية – المالية التي تهدّد لبنان بالانهيار، وإنما افتعال أزمة جديدة عنوانها: «لا مكان لـ«حزب الله» في الحكومة الجديدة»، وذلك بمعزل عن شكل الرداء الذي يُراد لها أن تَلبسه، «إذ سواء سُمّيت مستقلة أم انتقالية أم تكنوقراط أم اختصاصية، فإنها ذات «بَطانة» سياسية واحدة، وهي إقصاء الحزب عن مجلس الوزراء ونَسف نتائج الانتخابات التي جرت بأفضل الشروط»، كما يؤكد المرتابون في محاولات دسّ السم في عسل التغيير الحكومي.
وبناءً على هذه المقاربة، يؤكد المطّلعون على موقف «حزب الله» أنّ الثابتة الأساسية لديه في المفاوضات الحالية هي معارضته أي خيار من شأنه أن يُفضي عملياً الى إعادة تشكيل السلطة وإخراجه من الحكومة، «وكل ما هو تحت هذا السقف قابل للنقاش».
وإذا كان هناك من يفترض أنّ «حزب الله» يبالغ في هواجسه، لأنّ حكومة التكنوقراط ستؤدي تلقائياً الى خروج كل القوى السياسية منها، بلا استثناء، ما يَنسف نظرية استهدافه، إلّا أنّ القريبين منه يلفتون الى أنّ جوهر المخطّط المرسوم يرتكز على إبعاد الحزب تحديداً، تحت غطاء دخان «كلّن يعني كلّن».
وبالتالي، فإنّ هذا الهدف الاستراتيجي يستحق، في رأي السّاعين الى تنفيذه، أن تخرج المكوّنات السياسية الأخرى من الحكومة الجديدة، على قاعدة أنّ الثمن المدفوع يبقى أقل بكثير من قيمة الإنجاز المفترض، وهو التخلّص من وجود «حزب الله» داخل مجلس الوزراء الذي بات بعد اتفاق الطائف مركز القرار والسلطة.
ويعتبر الحزب أنّ أزمة كبيرة ومركّبة، كتلك التي يعانيها لبنان حالياً، لا يمكن أن تُواجَه بحكومة موظفين من التكنوقراط، «بل لعل معالجتها جذرياً تحتاج أكثر من أي وقت مضى الى حكومة سوبر سياسية أو حتى حكومة أقطاب، تكون قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة والجريئة، وتَحَمّل مسؤولياتها وتبعاتها».
ومع ذلك، يبدو الحزب منفتحاً على الخيارات الاخرى، شرط أن تكون «آمنة» سياسياً. والقريبون منه يشيرون الى أنّ الطرح الأكثر واقعية في هذه المرحلة قد يتمثّل في تشكيل حكومة تكنو- سياسية، تضم وزراء حزبيين وآخرين من الاختصاصيين، «وهذه تركيبة تُوَفِّق بين كل الآراء، ولا مبرر لرفضها إذا كانت النيات صادقة».
أمّا مرشح «حزب الله» لرئاسة الحكومة المقبلة، فلا يفصح عنه علناً حتى الآن، في انتظار انتهاء المشاورات على خَطّي التأليف والتكليف المتلازمين. وفي إشارة الى حساسية اللحظة، يقول المطلعون على موقف الحزب انه سيُسمّي الرئيس المكلّف في يوم الاستشارات النيابية الملزمة، وليس قبله.