Site icon IMLebanon

ماتت ثورة… ولدت ثورة

كتبت جنى جبّور في “نداء الوطن”:

 

إختلفت التسميات التي رافقت تحركات “17 تشرين”، ليس فقط بين الناس في الشارع، بل أيضاً في مختلف وسائل الاعلام. فالبعض اعتبرها “ثورة”، وآخرون “إنتفاضة”، ومنهم من وصفها بـ”الحراك”. فما هي التسمية الصحيحة والعلمية لما يشهده لبنان؟
منذ 22 يوماً، وشرائح واسعة من الشعب اللبناني تملأ شوارع الوطن. تعدّدت المطالب بين اقتصادية ومعيشية وسياسية وإصلاحية، إلّا أنّ صرخة واحدة نادى بها الجميع في كل الساحات “ثورة، ثورة، ثورة”.

“17 تشرين الأول 2019″، ثورة أو ماذا؟ يجيب المؤرخ والباحث السياسي إيلي الياس، “17 تشرين” ثورة، وثورة سلمية مستمرة، وأي تسمية أخرى تطلق عليها غير دقيقة. يقول المؤرخ والمنظر السياسي الفرنسي “Alex de Tocqueville” إنّ “الديموقراطية، ثورة دائمة”، وليس من الضروري أبداً أن تكون عنيفة أو تخريبية، بل هدفها التغيير للأفضل والإطاحة بالحكم، وقد ينتج منها تغيير تام لدستور الدولة أو تعديل دستوري. في المقابل، يطلق اسم “ثورة” بشكل عام حين يحدث تغيير مفاجئ وجذري في السلطة السياسية أو المؤسسات السياسية بعد “تمرد” شعبي ضد الحكم والحكومة، بسبب ضغط ما أو اضطهاد سياسي، اجتماعي أو اقتصادي، أو فشل سياسي”.

ثورة “14 آذار” مستمرة؟

“17 تشرين” ليست الثورة الاولى التي يشهدها لبنان، فهل يوجد أوجه تلاقٍ بينها وبين سابقاتها، وهل يمكن مقارنتها بالثورات العربية؟ يقول الياس “ثورة “17 تشرين” سلمية لان نظامنا ديموقراطي، بعكس ما نراه في البلدان المجاورة التي تشهد ثورات عنيفة ودموية لغياب الديموقراطية. أمّا على المستوى اللبناني، فمن أبرز الثورات التي شهدها تاريخنا والتي حققت جزءاً كبيراً من أهدافها، هي ثورة “عامية لحفد” وثورة “14 آذار”. فثورة “عامية لحفد” ( 1821) تمكنت من تحقيق جزء كبير من أهدافها، وخصوصاً تحسين وضع الفلاحين مع الاقطاعيين في القرن التاسع عشر، بعدما كانت حقوقهم مغتصبة بشكل كبير من العائلات الاقطاعية. آنذاك جمعت هذه العاميات كل أطياف المجتمع اللبناني ولا سيما الدروز والموارنة وبعض المجموعات الاخرى، وتمكنت من تحقيق مطالبها وتحولت في العام 1858إلى ثورة مباشرة ضد الاقطاعيين خصوصاً في مناطق كسروان، بقيادة شخص من آل صفير، وبعدها حمل طانيوس شاهين المشعل، ولكن للأسف تحولت في ما بعد الى حرب أهلية بين الدروز والموارنة.

أمّا أحداث 1958 والتي تعتبر مفصلية في القرن الماضي من تاريخ لبنان، فلا تعتبر ثورة بحسب الياس، الذي قال: “أطلقوا عليها هذه التسمية للتخفيف من وتيرة الحدث الذي حصل آنذاك. وفعلياً نشبت حرب يمكن اعتبارها بروفا لحرب 1975 “. وفي التفاصيل اندلعت الأزمة ما بين حلف كان يقوده الرئيس كميل شمعون المعادي للوحدة العربية (السورية – المصرية) والموالي للغرب والمؤيّد لحلف بغداد. نشأ هذا الحلف في عهد رئيس وزراء العراق نوري السعيد الذي كان التزامه الأعمى بالبريطانيين الداعمين للحلف، فجعل العراق يسير على خط معادٍ للسوفيات. وكان اقتراح إنشاء هذا الحلف يعود للولايات المتحدة التي وعدت بدعمه، وكان نوري السعيد يأمل من خلاله في تقوية الدور القيادي للعراق عربياً وإضعاف مصر وعزلها، التي كانت بقيادة عبد الناصر التي تحولت في ما بعد إلى نقيض لما وجدت من أجله، اي تحرير البلدان العربية، فأعلنت العداء لحلف بغداد وعارضته كونه يضعف موقفها التفاوضي بشأن نزاع السويس والقضية الفلسطينية. وفي المقابل لحلف شمعون، كانت هناك معارضة موالية للوحدة العربية ومعارضة لحلف بغداد. تفجّر هذا الصراع بين الفريقين على شكل حرب وأزمات في شوارع لبنان. ويتابع “في القرن الحالي حققت ثورة “14 آذار” في العام 2005، أهم أهدافها: إنسحاب الجيش السوري من لبنان، الّا أنّه لم يتحقق مطلبها في نزع سلاح “حزب الله” بسبب ثورة مضادة قامت في “7 أيار” 2008، وأدت الى وصول رئيس جمهورية (ميشال سليمان) يغطي هذا السلاح ( كما أسلافه)، أمّا ثورة “17 تشرين”، فلا تشبه غيرها”. وبرأي الياس أنّ “ثورة 14 آذار لم تنتهِ. فمنذ 2005 حتّى اليوم ما زلنا في الحراك الشعبي نفسه، ولكن بمطالب اقتصادية هذه المرّة، جرّاء سطوة السلاح والنظام الامني الذي أدّى الى استغلال هائل لطاقات لبنان الاقتصادية، والناس الذين توجهوا الى الشارع في العام 2005، موجودون في الشارع اليوم أيضاً، بالاضافة الى آخرين انضموا اليهم”.

تسميات خاطئة

تتشكل في البلدان والانظمة بمختلف أنواعها في دول العالم “حركات اجتماعية – سياسية” Social-Political Movements”، تتألف من شبكات تضم أفراداً وهيئات مختلفة من مواطني هذه الدول. تسعى هذه التجمعات بشكل عام إلى التغيير الاجتماعي والسياسي من خلال زيادة الوعي بين المواطنين ومن خلال ممارسة الضغوطات الاجتماعية غير العنيفة في مراكز ومؤسسات السلطة. وتأتي على شكل “جمعيات لا تبغي الربح”، أحزاب وقادة رأي، وتتحد مع مختلف القوى الأخرى المؤثرة التي تواجه مشاكل مماثلة، لتحقيق الضغط الاجتماعي من أجل التغيير بوجه الحكومات ومؤسسات الدولة. ومن المعروف، أنّ الأفراد والهيئات يتجذرون بعمق في مجتمعاتهم، وهم على تماس مباشر مع المشاكل التي تواجه المجتمع مثل البطالة ونقص الخدمات الاجتماعية. وتعمل هذه التجمعات-الهيئات على التعبئة بكل الوسائل السلمية والقانونية المتاحة لتحديد المشاكل ومتابعة الحلول السلمية المستندة إلى دراسات وتقارير علمية. وتتراوح استراتيجيات الحركات الاجتماعية-السياسية لتحقيق المطالب من العمل داخل النظام (مثل كتابة الاعتراضات، رفع الدعاوى والتفاوض شخصياً مع المسؤولين) إلى تعطيل النظام من خلال الاحتجاجات السلمية (مثل الاعتصامات والتظاهرات والإضرابات عند الضرورة).

في المقابل، تتعدد الاسماء التي تطلق على الحركات السياسية في جميع البلدان. وكما ذكر آنفاً إنّ “17 تشرين” ثورة، ولا شيء آخر. ويوصّف الياس بدقة سبب عدم تطابق التسميات الاخرى على الشكل الآتي:

“- الحراك: تسمية خاطئة بالتعرفة السياسية، وكلمة حراك تم اختراعها للدلالة على تحركات اجتماعية.

– إنتفاضة: تستخدم لوصف التمرد السياسي، وغالباً ما يكون تمرداً عنيفاً ضد مؤسسات الحكم.

– العصيان المدني: أو المقاومة المدنية واللاعنفية التي لا تشمل العنف أو القوة العسكرية.

– أعمال شغب: أحد أشكال الاضطرابات المدنية التي تنطوي على اضطرابات عامة عنيفة.

– المقاطعة: على غرار العصيان المدني، ولكنها تعني ببساطة الانفصال المالي التام عن النظام الذي تمرد عليه الشعب. يستلزم ذلك رفض المشاركة في النظام النقدي، أو الحد من الاستهلاك، أو تجاهل مفاهيم حقوق الملكية.

– المقاومة المسلحة: يقوم بها مقاتلون من أجل التحرر من احتلال عسكري ضد قوة أجنبية محتلة في أغلب الأحيان”.

ثورات على مّر التاريخ

يفضل التاريخ الثورات الناجحة التي تغير مصير البلدان التي تجري فيها، الّا انّه لم يكتب النجاح لكل الثورات التي اندلعت على مّر الأعوام. وفي ما يأتي أبرز الثورات الناجحة والفاشلة حول العالم.

الثورة الإيرانية

انطلقت سنة 1979 وتعرف أيضاً بالثورة الإسلامية التي حركها من باريس الإمام آية الله الخميني وقامت ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم من الولايات المتحدة وانتهت بانهاء حكم الشاه وإقامة دولة إسلامية وشكلت الثورة الإيرانية مصدر إلهام للحركات الأخرى في جميع أنحاء العالم بما في ذلك حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وحزب الله اللبناني.

ربيع براغ
ربيع براغ مرحلة من تاريخ الجمهورية الاشتراكية التشيكوسلوفاكية، حاول خلالها الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي أن ينتهج اتجاهاً إصلاحياً وأقرب إلى الديموقراطية، عرف بتسمية “الاشتراكية ذات الوجه الإنساني”. انطلقت المرحلة في 5 كانون الثاني 1968، بوصول الإصلاحي ألكسندر دوبتشيك الى السلطة، وانتهت في 21 آب 1968، باجتياح عسكري للبلاد من طرف قوات حلف وارسو، بقيادة الاتحاد السوفياتي حيث دخل ربع مليون جندي بألفي دبابة، وقُتل ثمانون مواطناً. وفجر هذا الاجتياح وعي الشعب، حيث تعاهد ثلاثة شبان على إحراق أنفسهم…وفعلوها.

ثورة مصدق في إيران

قام محمد مصدق؛ رئيس وزراء إيران (1951 – 1953) بأول ثورة في تاريخ بلدان الشرق الأوسط، فعزل الشاه، وأعلن عداءه للإمبريالية الغربية، وأمّم شركة النفط الانكليزية الإيرانية، وهو بذلك قد افتتح عهداً جديداً بإعادة ملكية الثروات الطبيعية التي كانت تسيطر عليها الدول الاستعمارية الكبرى إلى أصحابها الشرعيين، وأعلن الإصلاح الزراعي، والحياة الديموقراطية. أيدته الجماهير والحزب الشيوعي “تودة”، والقوميون الإيرانيون، إلا أن الولايات المتحدة، وبريطانيا حاصرتا حكومته عالمياً بمنع شراء النفط الإيراني، وهكذا فرغت الخزينة لدرجة أنه عجز عن دفع رواتب الموظفين، فقامت الولايات المتحدة بالتنسيق مع بريطانيا بإعادة الشاه إلى السلطة بعملية سميت “أجاكس”، وحوكم مصدق، وحكم عليه بالسجن قبل أن يخفف الحكم ويعيش تحت الإقامة الجبرية إلى أن توفي العام 1967.

ثورات فاشلة: ثورة غيفارا

أرنستو تشي غيفارا (1928 – 1967)، الأرجنتيني والطبيب والكاتب ورجل الدولة وزعيم حرب عصابات غطت شهرته الآفاق، ومع ذلك فقد أخطأ التقدير مرتين: مرة في اقتناعه بنضوج الظروف في الكونغو لقيام ثورة شيوعية في أواسط الستينات، وذهب إلى هناك، وفشلت ثورته، ومرة ثانية عندما اختار بوليفا ليقود فيها ثورة حرب عصابات، وفشل أيضاً لأسباب لا مجال لذكرها هنا. كانت النتيجة أنه حوصر، وألقي القبض عليه في 7 تشرين الأول عام 1967 بناء على وشاية، وأعدم رمياً بالرصاص في 9 من الشهر نفسه، وطويت حياة إحدى أساطير الثورة العالمية.

ثورة 1968 في فرنسا

تعتبر ثورة طلابية ضد تقاليد المجتمع البالية في فرنسا، وهي فترة عنيفة من الاضطراب المدني سادتها الإضرابات العامة والاعتصامات في المصانع والجامعات في أنحاء الجمهورية الفرنسية بدفع من الطلاب والعمال والاشتراكيين والشيوعيين. وأدّت أحداث أيار 1968 الى أكبر إضرابٍ عام شهده تاريخ فرنسا، والأول من نوعه على مستوى البلاد. أدى الأمر إلى سفر الرئيس شارل ديغول لساعات بسرية كبيرة من دون إعلام أحد، حتى رئيس وزرائه جورج بومبيدو إلى ألمانيا وذلك لمقابلة صديقه الجنرال الفرنسي جاك ماسو ليتأكد من ولاء الجيش له خوفاً من محاولته الوقوف في صف المتظاهرين. انتهى الأمر بالموافقة على حل الجمعية الوطنية والإعلان عن عقد انتخابات برلمانية جديدة في حزيران والتي خرج منها الديغوليون أكثر قوةً.

الثورة التونسية

ثورة شعبية اندلعت في تونس أواخر العام 2010، أطلق شراراتها الأولى الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده، حادث تضامن معه التونسيون، وسريعاً اتسعت رقعة الاحتجاجات التي توجت بسقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي وفراره من البلاد، وألهمت تلك الثورة حركات الاحتجاج التي بدأت ثورات شعبية سلمية في بقية دول الربيع العربي.

ثورة الصين 1989

أقدم الجيش الصيني على ارتكاب مذبحة بشعة لآلاف العمال والطلاب المعتصمين خلف المتاريس في أهم ميادين العاصمة بكين، ميدان “السلام السماوي” في العام 1989. وكانت هذه الطريقة الوحيدة المتاحة أمام الطبقة الحاكمة، المذعورة بإزاء تمرد ملايين العمال والطلاب، لإعادة “القانون والنظام”. ومن منّا لا يتذكر الرجل الأعزل، الذي لم يكن مُسلحاً إلا بحقيبتين للتسوق، ووقف أمام رتلٍ من الدبابات تتحرك في أحد شوارع بكين. وتُمثل صورة ذلك الرجل المعروف باسم “رجل الدبابة”، واحدة من أكثر الصور الراسخة عن حملة القمع العسكرية العنيفة التي شنتها الصين ضد المتظاهرين المطالبين بالديموقراطية في ميدان تيانانمين، المعروف في الصين باسم “ليوسي”، أو الرابع من حزيران.

ثورة شنغهاي

حدثت في الصين في العام 1911 وأنهت حكم السلالة الأمبراطورية الأخيرة في البلاد وتعد من أكثر الثورات عنفاً، حيث راح ضحيتها مئات الآلاف من الأرواح. وحدثت تلك الثورة نتيجة ازدراء الجمهور للأسرة الحاكمة غير القادرة على النهوض بالبلاد واتباعها سياسات قديمة للإدارة. استمرت هذه الثورة أربعة أشهر ونتج عنها إنهاء الحكم الإمبراطوري في الصين، وشهدت إنشاء الحكومة الموقتة لجمهورية الصين.