كتبت هديل فرفور في صحيفة “الأخبار”:
“نحنُ مُقبلون على كارثة صحية كبيرة إذا لم يتم تدارك الوضع فوراً. وقد نجد المرضى يموتون في المُستشفيات بسبب النقص مثلاً في الفلاتر المُستخدمة لغسل الكلى أو الرسورات لتوسيع شرايين القلب وأدوية البنج (…)”.
بهذه الكلمات التهويلية، خرج رئيس نقابة المُستشفيات في لبنان سليمان هارون في مؤتمر صحافي عقده، أمس، بالتعاون مع نقابتَي الأطباء في بيروت والشمال وتجمّع تجار ومُستوردي المعدّات والمُستلزمات الطبية، ليُعلن «بلوغ» الواقع الصحي والاستشفائي المأزوم «الخطّ الأحمر». هارون ناشد المعنيين تسديد المُستحقات المتوجبة للمُستشفيات والأطباء في ذمّة وزارة الصحة والأجهزة الأمنية والعسكرية حتى نهاية عام 2018 «كخطوة أولى»، طالباً من المصارف تسهيل عمليات تحويل الأموال بالدولار لمستوردي وتجار المستلزمات والأدوات الطبية لتأمين حاجة المُستشفيات، «وإلّا فإنّ المُستشفيات ستقوم بتحرّك ليوم واحد تحذيري نهار الجمعة المُقبل بالتوقف عن استقبال المرضى، باستثناء الحالات الطارئة (مرضى غسل الكلى والعلاج الكيميائي)…».
وفيما أكد هارون أن موقف النقابة «لا علاقة له بالأزمة السياسية الحالية التي تتخبّط بها البلاد، إنما هو خطوة ضمن خطة للتحرّك كنا قد وضعناها منذ أشهر بدأت بزيارات واتصالات شملت كتلاً نيابية (…)»، أشار إلى أن المُستحقات المتوجبة على المؤسسات الضامنة منذ سنة 2011 «تجاوزت قيمتها ألفي مليار، وهي على ازدياد بشكل يومي».
هذه الصورة «السوداوية»، تقاطعت ومداخلات كل من نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف ونقيب الأطباء في الشمال سليم أبي صالح بشأن الواقع الصحي والاستشفائي وتأثيره على الأطباء، نظراً الى أن «20% من فاتورة المُستشفيات تعود إلى الأطباء». وفيما لفت أبي صالح إلى أنّ «عدم الالتزام بالمهل القانونية لدفع مُستحقات الأطباء من قبل الجهات الضامنة كافة أصبح القاعدة ولم يعد استثناء»، رفض أبو شرف لجوء بعض الأطباء «إلى طلب فروقات المُستحقات من المرضى لتعويض التأخير في قبض المُستحقات».
ممثلة تجار ومستوردي المعدات والمُستلزمات الطبية سلمى عاصي في خطابها أكّدت الواقع المأزوم، عبر «إطلاق صرخة» تُفيد بأن البضائع المتوفرة حالياً في المُستودعات «لا تكفي احتياجات شهر على الأكثر، ما يحول دون تمكّن المُستشفيات من معالجة مرضاها، إضافة الى الأضرار المعنوية والمادية والقانونية التي ستلحق بها جراء تخلّفها عن دفع المُستحقات (…)».
وبمعزل عن «تهمة» التهويل التي قد تُلحق بالمؤتمرين بهدف الضغط من أجل الحصول على مُستحقات المُستشفيات، ثمّة وقائع تُحتّم النظر بجدّية إلى تحرّك المُستشفيات والأطباء ومستوردي المعدّات الطبية، أبسطها أنّ لبنان يستورد كل البضائع المرتبطة بالمُستلزمات الطبية (بنسبة 100%) ولا وجود لبديل محلي الصنع من جهة، والأهم أن عدداً من مستشفيات كبرى تعتمد إيراداتها بشكل أساسي على الجهات الضامنة الرئيسة (تصل نسبة مساهمة الجهات إلى 90% من مجمل الايرادات).
هذه الوقائع تستوجب فتح النقاش بمصير الألفَي مليار ليرة المتراكمة منذ عام 2011 حتى العام الماضي. ففي وقت تُشير فيه مصادر وزارة الصحة إلى أنها حوّلت الاعتمادات المرصودة لمستحقات المستشفيات، تؤكد مصادر معنية في وزارة المال أنها صرفت «كلّ الأموال المحوّلة إليها من وزارة الصحة»، متسائلةً عن سبب التأخير في تنفيذ عقود المستشفيات عشرة أشهر. فيما أكّد هارون في اتصال مع «الأخبار» أنه «حتى (أول من) أمس لم تكن المستشفيات قد حصلت على أي دفعة من الأموال المُستحقة لها»!
مصادر وزارة الصحة، من جهتها، دعت المعنيين في وزارة المال الى الإعلان بالتفصيل عن الأموال التي صرفتها للمستشفيات، «وإذا سلّمنا جدلاً بأن وزارة الصحة لم تحوّل الاعتمادات منذ تسلّم الوزير جميل جبق، فأين الأموال المتراكمة منذ 2011؟». هذا «الضياع» وتقاذف المسؤوليات أبرز تداعياتهما مزيد من تأزيم القطاع الصحي والاستشفائي.