توقفت الاتصالات بين الأفرقاء السياسيين، أمس، بعد أسبوع حافل باللقاءات للإسراع في الاتفاق على صيغة حكومية تساهم في تنفيس غضب الشارع، وتحافظ في الوقت عينه على التوازنات السياسية التي رتّبتها الانتخابات النيابية. رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري غير متحمس للعودة الى الحكومة، مثقلاً بوضع اقتصادي منهار وعلى شفير الإفلاس، فيما يصرّ فريق 8 آذار على التمسك به.
الخلاف الحاصل هنا لا يزال يدور حول تركيبة الحكومة المقبلة، تكنوقراط أم «تكنوسياسية»؟ يؤكد الحريري موافقته على رئاسة حكومة تكنوقراط، الأمر الذي يرفضه كل من: التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، وخصوصاً أن اللغط الحاصل اليوم يتعلق بالتعريف الحقيقي للكلمة. هل المطلوب أن يكون «التكنوقراط» حياديين، وفي هذه الحالة من يسمّيهم؟ هل يتمثلون من «الحراك المدني» أم من خارجه، حزبيين أم وجوهاً جديدة تقدم للرأي العام؟ وكيف سيتعاطى الشارع مع هذه الأسماء؟ أسئلة كثيرة لا تزال محور نقاشات بين معظم القوى السياسية، توحي وكأن تأليف الحكومة مؤجل الى حين إرساء أرضية مشتركة في ما بينهم. السؤال الأهم المطروح يدور حول الآلية المفترضة لمنح الثقة لحكومة تكنوقراط غير سياسية من مجلس نيابي سياسي يرفض تسمية وجوه من خارج أحزابه.
ينطلق أصحاب هذه النظرية من فرضية فشل حكومة كهذه مسبقاً. ويصبح النقاش أكثر حدّة عند طرح مسألة الثلث الضامن وإرساء موازين قوى الحكومة السابقة نفسها، وسط سؤال الحريري عما يحول دون تغيير هذه الاعتبارات تحت وطأة ضغط الشارع، وخصوصاً أنه غير متحمّس للعودة الى الحكومة بعد تبلّغه من الأوروبيين استحالة الحصول على أموال «سيدر»، في حال لم تكن الحكومة «غير سياسية». وبات هذا الهاجس يؤرقه، ويعتبره «خديعة من الأوروبيين» الذين وعدوه بأموال «سيدر» بمجرّد إقرار موازنة ينخفض فيها العجز، لكنهم، بعد استقالته، باتوا يضعون شروطاً سياسية لبدء تنفيذ مشاريع «سيدر». ويشدّد الحريري على من يلتقيهم عدم تسريب خبر «تراجع الأوروبيين عن «سيدر»، مؤكداً أنه سيعمد الى نفيه في حال تداوله إعلامياً. ويدخل ذلك، إلى جانب الضغوط الأميركية، ضمن الأسباب الرئيسة لتقديمه استقالته، معطوفة على الوضع الاقتصادي الرديء وغير القابل للملمة، إضافة الى فقدانه السيطرة على شارعه.
من ناحية أخرى، واصلت المصارف تشددها بشأن سحب أموال المودعين، ما رتب ارتباكاً وقلقاً كبيراً في الشارع. ما لبث أن استتبع بقرار إقفال المصارف يومَي السبت والاثنين، لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف. في غضون ذلك، أكمل الطلاب تجمعاتهم في مختلف المناطق من أقصى الشمال الى الجنوب أمام المؤسسات العامة وشركات الاتصالات.
وأمس أيضاً، التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان السفير رالف طراف، مبدياً استغرابه مضمون البيان المشترك الذي صدر في 9 تشرين الأول الماضي عن لجنتَي الشؤون الخارجية والميزانية في البرلمان الأوروبي، الذي ورد فيه تشديد على «ضرورة تأمين قدرة النازحين السوريين على الاندماج والتوظيف على المدى الطويل بطريقة متماسكة مع المجتمعات المضيفة». ورأى الرئيس عون أن «هذا الموقف يتناقض مع الدعوة اللبنانية المتكررة لإعادة النازحين الى بلادهم، ولا سيما بعدما استقر الوضع في أكثر من 90% من الأراضي السورية وانحصرت المواجهات المسلحة في منطقة محدودة جداً»، وأكد عون «استمرار عملية عودة النازحين من لبنان الى سوريا على دفعات. وبلغ عدد العائدين 390 ألف نازح، لم ترد أي شكوى منهم عن ضغوط تعرّضوا لها بعد عودتهم». فيما كان لافتاً دخول البنك الدولي على خط تأليف الحكومة عبر حضّ أحد مسؤوليه لبنان على تأليف حكومة جديدة في غضون أسبوع، محذراً من مخاطر تواجه الاستقرار.
عون يحتجّ على موقف لجانٍ في البرلمان الأوروبّي طالبت بـ«دمج النازحين السوريّين»
من جانبه، قال نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم إن البداية تكمن في «تشكيل حكومة قادرة على معالجة القضايا (…) ستكون آثار الحراك الشعبي حاضرة فيها». وأشار الى أن «حزب الله يشارك بفاعلية في المشاورات مع رؤساء الكتل النيابية ومع المعنيين»، مشدداً على ضرورة «تمثيل فاعل لحزب الله في الحكومة التي ستتألف. فهو جزء من الحكومة المقبلة لأنه جزء من هذا الشعب ومن هذا الاختيار، وسيعمل على أن يكون صوت الناس مسموعاً وأوجاعهم محل معالجة». وبحسب قاسم، ينبغي على الحكومة أن تكوّن مقاربة مختلفة عن سابقاتها، من خلال رسم سياسات زراعية وصناعية واقتصادية وتفعيل الأجهزة الرقابية لضبط الإنفاق وإيقاف الهدر والتهرب والسرقة للمال العام». وشدد على الحاجة إلى «ورشة حقيقية في بلدنا بأربعة مسارات متوازية تسير مع بعضها البعض. أولاً، تحرك القضاء وفتح الملفات وعدم إبقاء أي ملف في الجارور وعدم الطمس على الدعاوى المقدمة، ثانياً، ضرورة تفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش، ثالثاً، العمل الحكومي مع تشكيل الحكومة ضمن برنامج محدد ومدروس له خططه وجداوله الزمنية، رابعاً، التشريع النيابي المواكب لحاجات البلد، ولا عذر لأي مسار من المسارات الأربعة أن يرمي الحمل على غيره أو أن ينتظر المسار الآخر».