Site icon IMLebanon

سلام: الكلام عن التأليف قبل التكليف هرطقة دستورية

اعتبر رئيس الحكومة السابق تمام سلام أن “الكلام المتداول عن ضرورة التوافق على تأليف الحكومة قبل تسمية الشخصية التي ستترأسها “هرطقة دستورية”، داعيًا إلى “الإسراع في التكليف وإلى تشكيل حكومة اختصاصيين تلبي مطالب الحراك الشعبي”.

وأشار، في حديث إلى “إذاعة الشرق”، إلى أن “الأزمة الراهنة هي نتاج تراكم سوء الإدارة وممارسات قاصرة وعقيمة، خصوصا في السنوات الثلاث الماضية، أدت إلى هذا الوضع المتردي وإلى غضب عارم عند اللبنانيين”. وقال: “لا ننسى بأننا أمضينا سنتين ونصف من دون رئيس للجمهورية، ومع ذلك عض الناس على الجرح وحملنا تلك المرحلة بكل صعوباتها وسلمنا البلد إلى عهد جديد، والناس وعدت نفسها في ظل هذا العهد أن ينهض البلد من جديد، ولكن مع الأسف جرت ممارسات أدت إلى خلل وأنتجت عدم ثقة عند المواطن اللبناني وشعورا بأن هذه الطبقة الحاكمة مسؤولة عن الفساد وعن الأداء السيء والقصور المستشري في البلد”.

ووصف الانتفاضة الشعبية بأنها “تعبير عن غضب عارم لدى اللبنانيين”، وقال: “إن السابع عشر من تشرين الأول هو حد فاصل له ما قبله وما بعده، ويجب عدم تجاوز ما يجري أو التخفيف منه أو المراهنة على هدوء الوضع من دون أخذ إجراءات سريعة وجذرية لتصحيح الخلل الذي أدى إلى هذا الغضب العارم”.

وردا على سؤال، أجاب: “ربما كان هناك في مكان ما رهان على ضعف هذا الحراك وتراجعه، ولكن كل يوم يمر يؤكد أن المواطن اللبناني لن يقبل بعد اليوم أن يعامل كما عومل في السنوات الماضية، ولن يقبل استمرار الفساد بالشكل المنتشر حاليا ولكن مع الأسف مازالت السلطة المتهمة بالفساد تكابر حتى الآن”.

وتابع: “إن من أهم الخطوات المطلوبة للانتقال إلى الوطن الذي يريده اللبنانيون هو تأمين استقلالية القضاء، وليس بقاءه تحت سيطرة القوى السياسية التي تستعمله لغاياتها مثلما حصل منذ أسبوعين تقريبا. هنا يتعين القول إن النسبة الكبرى من قضاة لبنان هم قضاة شرفاء وأكفاء لكن مداخلات القوى السياسية تعيق عملهم”.

وعن تأثير العوامل الخارجية على ما يجري في لبنان حاليا، قال: “لبنان يتأثر دائما بالأحداث الاقليمية والدولية وهذا ليس بجديد. ولكن أنا أقول إن وعي اللبنانيين وإداركهم الذي تجسد بكثير من المرونة وتدوير الزوايا، وهذا ما يطلق عليه التوافق، تمكن من درء الكثير من العواصف في الماضي. نحن في وسط حالة لا ترحم من التجاذب والمواجهة بين القوى الكبرى، لذلك مطلوب منا كلبنانيين أن نستدرك ونعي هذا الأمر ونبدأ بالقوى السياسية التي عليها أن تضحي وتتنازل لإيجاد صيغة مشتركة تحصن البلاد في هذه المرحلة الصعبة”.

ونبه من أن “الأوضاع الاقتصادية الراهنة أصعب بكثير من تلك التي نتجت عن الحرب الأهلية عام 1975″، مشيرا إلى أن “البلاد بحاجة إلى مليارات لإيقاف هذا التدهور، وهذا بدوره يحتاج إلى ثقة تؤدي إلى استجلاب المساعدات”.

وأردف: “اذا لم يتم السعي الجدي خلال أيام وليس أسابيع، الى تأليف حكومة وأخذ زمام المبادرة لتنفيذ الورقة الإصلاحية الطموحة والجريئة التي صارت بعالم الغيب، فإننا ذاهبون الى المجهول”. وقال: “لن يتم ذلك إلا من خلال تأليف حكومة، وأنا أقول إنه لا يجب أن نعجز عن تأليف هذه الحكومة إذ إن هذا الأمر يشكل مفتاح الحالة التي نحن فيها. أما تأخير التأليف فسيزيدنا بلاء ومصائب. والمطلوب كما هو واضح حكومة اختصاصيين تعيد الثقة ولا مانع من أن تتمثل القوى السياسية بها بشكل رمزي. يجب أن تتألف حكومة اختصاصيين تشفي غليل الحراك والناس، على الرغم من الظهور الإعلامي لبعض رموز الحراك الذي أعطى انطباعا أنهم من المستوزرين. يجب تلبية طلبات اللبنانيين في الساحات والشوارع بحكومة اختصاصيين بعيدة عن نفوذ القوى السياسية. لا ينقصنا في هذا البلد أشخاص من أصحاب الكفاءة والخبرة والسمعة الطيبة. لقد شكلت في الماضي حكومات غير سياسية وأبلت بلاء حسنا. فليعودوا جميعا إلى رشدهم وإلى عقلانيتهم وإلى المصلحة الوطنية ويؤلفوا حكومة ويأتوا باختصاصيين”.

وبسؤاله عمن يرأس هذه الحكومة، قال: “رئيسها ليس هو التحدي. التحدي الأكبر هو الحكومة نفسها. إذا حصل توافق حول حكومة من اختصاصيين لا ينتمون إلى القوى السياسية ولا يمثلونها، فإن ذلك سيعيد الثقة إلى البلد. أما رئاسة الحكومة فهي مثل رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب خاضعة لمن يمثل هذه الجهة او تلك الطائفة”.

وعن “معادلة الحريري- باسيل”، فأجاب: “هذه معادلة غير قائمة أصلا. رئيس الحكومة معادلته واضحة مع رئيس مجلس النواب ومع رئيس الجمهورية ولا شيء آخر على الاطلاق. أما الوزراء فمعادلتهم مع الوزراء الآخرين لا أكثر ولا أقل”.

ودعا إلى “العودة إلى مبادئ النظام البرلماني الديموقراطي المتمثلة بفصل السلطات وتوازنها”، وقال: “هذا غير قائم مع الأسف لأن السلطتين التشريعية والتنفيذية تلغيان بعضهما البعض. السلطة التنفيذية أصبحت مرآة للسلطة التشريعية وبالتالي ألغيت القدرة على الرقابة والمحاسبة. عندما يحصل اتفاق في السلطة التنفيذية ينعكس ذلك فورا اتفاقا في السلطة التشريعية وهذا أمر غير صحي بالبلد. لذلك أقول إنه إذا أردنا أن نقدم شيئا جديدا يعيد الثقة إلى البلاد فيجب أن نقلع عن الأسلوب التقليدي في تأليف الحكومات”.

وشدد على أنه “لا يمكن بعد اليوم أن نبقى متمترسين في مراكزنا ومواقفنا ونعتبر أن الحراك أو الثورة ستتعب وتتراجع بمرور الوقت. هذا لا يجب الاتكال عليه لأن الغضب عند الناس لن يتوقف وهو نتاج ما سميته منذ سنوات النفايات السياسية. هذه النفايات السياسية الجاثمة على هذا البلد متقاسمة ومتحاصصة كل المكاسب والمنافع والنفوذ والسلطة غير آبهة بالمصلحة الوطنية. أعود وأقول إن المطلوب تضحية وتواضع والابتعاد عن التكبر والتجبر والقوة وممارسة النفوذ”.

وتابع: “منذ فترة نسمع كلاما كبيرا عن مراجعة الدستور واتفاق الطائف، ووصل الأمر إلى تجاوزات في الممارسات الدستورية إلى أن أصبح اليوم عند الثوار مطلب بتغيير النظام كله، وإن هذا النظام غير مناسب علما أن اتفاق الطائف ودستورنا الحالي لو طبق كما يجب لم نصل إلى ما وصلنا إليه أصلا. لو شكلنا الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية واعتمدنا مجلس الشيوخ، كنا قطعنا أشواطا كبيرة إلى الامام. لكن القوى السياسية لا زالت تستفيد من تمثيلها الطائفي لتفرض أمورا خارج إطار المصلحة الوطنية”.

وعن موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، قال: “ضحى ومازال يضحي لدرجات متقدمة جدا، حتى أخذ عليه كثرة التضحية والمسايرة وكثرة العطاء. هذا الرجل بقلبه وربه يجرب أن ينقذ الوطن ويستعين بكل الوسائل المتاحة للنهوض بهذا الوطن، لكنه وصل إلى نقطة رأى فيها ان كل ما يقدمه يذهب ضحية التسابق على النفوذ السياسي وليس على المصلحة العامة”.

وختم: “لا تسمية رئيس للحكومة. الاسم المطروح اليوم هو الرئيس سعد الحريري. الرئيس الحريري لن يقبل بأن تفرض عليه أي تركيبة مسبقا وله الحق بأن ياخذ بالاعتبار ما تريده هذه الثورة، واعتقد أنه من أبرز الأمور التي حصلت أنه استقال تلبية للثورة. إن هذا الرجل عنده من المكانة والوزن والوضع التمثيلي ما يعطيه أفضلية على كثيرين في تحمل هذه المسؤولية في هذه المرحلة الصعبة، وآمل أن يكلفوه ويسهلوا مهمته لتأليف الحكومة. والتأخير سيزيد البلاء والتراجع في البلد”.