كتب عمر حبنجر في “الانباء الكويتية”:
هل بلغ السيل الزبى في لبنان؟ ظاهر الامور انها الفوضى: لا دستور، لا سيادة، لا حكومة، لا دولار، وبالتالي لا دواء ولا رغيف، وعسى ألا نصل الى اللا أمن في ضوء ما تعرض له مجمع مباني البحار التابع لحزب الله في منطقة وادي الزينة في ساحل اقليم الخروب فجر امس، حيث اطلقت باتجاهه قذيفتا «آر.بي.جي» من جهة الطريق العام المفضي الى صيدا والجنوب، فأحدثت احداهما فجوة في جدار شقة غير مأهولة، وسقطت الثانية دون ان تنفجر، وهذا يحصل لأول مرة على الطريق الساحلي من بيروت الى الجنوب التي اعتاد الحراك الشعبي قطعها عند مفرق برجا وفي بلدة الناعمة، مما يطرح علامة استفهام حول ما يحضر لهذا الطريق الدولي.
اما باطن تلك الأمور فهو سياسي بامتياز ومحوري اقليمي بالتأكيد، واستراتيجي دولي بالطبع، بدليل الاسلحة المستعملة منذ 17 أكتوبر، بدأت بنشر روائح الفساد السياسي في مواجهة مواقف سياسية بعيدة عن الاجماع العربي والداخلي، وانتقلت الى الدولار الاميركي الذي ضاع في شارع المصارف، ليتواجد عند صرافي السوق السوداء، فإلى الحراك الشعبي الذي تحول الى ثورة شعبية وطلابية، هزت اركان الطبقة الحاكمة، المملكة غالبا من الفساد، والتي يعود الفضل في نشر غسيلها على سطوح وسائل التواصل والاعلام دول مجموعة «سيدر» التي اشترطت الشفافية والصدق قبل تقديم القروض.
استقالة الحكومة كانت الهدف الاول للحراك في مرمى السلطة التي لم تستطع ايقاف الحراك، لكنها ردت بتجميد الاستشارات لتكليف من يؤلف الحكومة، في البداية اشترطت منع المتظاهرين من اقفال الطرق مقابل ان يدعو الرئيس ميشال عون لاستشارات نيابية ملزمة، بصدد تكليف رئيس الحكومة العتيدة، لكن الطرق فتحت، بينما لم توجه الدعوة للاستشارات، انما استجد شرط التأليف قبل التكليف، خلافا للمنطق السياسي والدستوري، واضيفت الى ذلك المطالبة بوقف التظاهرات الطلابية والشعبية امام وزارات الدولة ومؤسساتها الموسومة بالفساد، وامام المصارف وداخلها من جانب اصحاب الحسابات والودائع، الذين فوجئوا بأن دولاراتهم لم تعد اليهم في هذه المرحلة، وهذا ما جعل الرئيس عون يستدعي اليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير الى بعبدا عصر امس بمعزل عن حكومة تصريف الاعمال، مستفسرا عن التباين فيما بينهم وعن كيفية الخروج من محنة الدولار.
هنا تقول المصادر المعنية ان الاجابات المصرفية لم تختلف عن تحليلات المجتمع الدولي القائل ان مشكلة الدولار في لبنان سياسية بقدر ما هي ناجمة عن الفساد السياسي.
استمرار المراوحة في موضوع الاستشارات النيابية الملزمة لن يغير من واقع الحال المحبط، ماليا واقتصاديا ومعيشيا، وسط اقفال المؤسسات الانتاجية وتراجع الواردات الحكومية، واقبال العديد من الشركات على صرف العاملين فيها، وقد لمحت المصادر بعض المشجعات السياسية مرددة القول: اشتدي ازمة تنفرجي، وفي تقديرها لـ «الأنباء» ان ازمة تشكيل الحكومة اقتربت من الفرج، ومن علامات هذا الفرج ما نقلته عن نشطاء سياسيين من ان وزير الخارجية جبران باسيل اقتنع بضرورة خروجه من الحكومة مقابل ان يتولى كرئيس للتيار الوطني الحر تحديد وزراء التيار في الحكومة التي اتفق على ان تكون «تكنوسياسية» مراعاة لكون رئيسها العتيد ـ وهو سعيد الحريري ـ شخصية سياسية، وجرى الاتفاق ايضا، على ان يتمثل حزب الله بشخصية شيعية غير سياسية على غرار وزير الصحة الحالي د.جميل جبق، والأمر عينه ينطبق على الرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط ود.سمير جعجع الذي كان اول من اطلق فكرة حكومة الاختصاصيين.
لكن العقدة المستمرة هو حجم الحكومة، فهناك من يراها من 16 وزيرا، ومنهم من يراها من 18 وحتى 24 كي يتسنى اشراك الكتل النيابية الصغيرة كتيار المردة وحزب الطاشناق، وتبقى عقدة لاحقة للتشكيل تتمثل بالبيان الوزاري وفيه تحديدا ذكر ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» كما يصر حزب الله وسط رفض الآخرين.
وموقف حزب الله الداعم لتكليف الحريري لم يعد موضع التباس ليقينه أنه الافضل لهذه المرحلة الدقيقة، وفي معلومات المصادر المعنية ان الحزب كان وراء اقتناع الوزير باسيل بالتخلي عن المقعد الوزاري، لمصلحة تسهيل تشكيل الحكومة، وان هناك من طرح عليه حتى تسمية زوجته شانتال عون.
باسيل نفى صحة الخبر الذي تقدم به الى النيابة العامة المحامي مروان سلام، وفيه يقول ان باسيل حوّل الوديعة المالية التي ارسلتها قطر الى لبنان بعد القمة الاقتصادية بقيمة 500 مليون دولار الى دولة اوروبية لقاء عمولة 50 مليون دولار.
وعلى صعيد الحراك المستمر منذ 17 اكتوبر الماضي، من المقرر ان تشهد المدن اللبنانية تظاهرات حاشدة في الساحات، كما تقرر في كل يوم احد، وسجلت امس تحركات احتجاجية تحت شعار «الوزارة ليست مرفقا عاما لخدمة الوزير وجماعته».
والى ساحة رياض الصلح، وفدت مجموعة تظاهرات طلابية من مختلف شوارع العاصمة، حيث تولى الطلاب لليوم الرابع زمام المبادرة الى الحراك.
وفي مدينة صور، اقفل المتظاهرون مجموعة مباني شركة كهرباء لبنان وتاتش واوجيرو للهاتف الخليوي والثابت، وسجلت تجمعات عند مستديرة ايليا في مدينة صيدا، واقتصر الحراك في طرابلس على مسيرة طلابية تحت عنوان «الثورة تجمعنا»، وهتفوا لحكومة انقاذية تحارب الفساد وتسترد الاموال المنهوبة.