مشكلة “دولرة” الاقتصاد اللبناني متجذرة وأعمق من أن يتم تحديدها في أطر محددة، وهذا ما يجعل جميع اللبنانيون يعانون الأمرّين في حياتهم اليومية بفعل الأزمات المالية والاقتصادية التي أدت إلى امتناع المصارف عن تزويد المواطنين بالدولار، وارتفاع سعره في السوق السوداء ما أدى إلى انعكاسات كارثية على اللبنانيين على كل المستويات.
ليس صحيحاً أن المستوردين هم فقط من يحتاجون إلى الدولار في لبنان، كونهم يستوردون بضائعهم والمواد الأولية، بل إن كل مواطن لبناني يعاني بشكل مباشر من غياب الدولار وارتفاع سعره في السوق السوداء.
تبدأ المعاناة من قطاع المحروقات حيث يتعرض اللبنانيون لابتزاز غير مسبوق من الشركات المستوردة وأصحاب المحطات الذين يستغلون الوضع لمحاولة تحقيق أرباح إضافية من خلال زيادة سعر صفيحة البنزين بنسب تفوق جدول تركيب الأسعار تحت طائلة حجب المحروقات عن اللبنانيين، وهو ما رفضته وزيرة الطاقة ندى بستاني التي لوّحت باحتمال أن تلجأ وزارة الطاقة إلى استيراد المشتقات النفطية من دولة إلى دولة، لكن الواقع اليوم أن الشركات المستوردة وأصحاب المحطات يستمرون بالابتزاز ونحن أمام أزمة بنزين من جديد!
وتمر المعاناة بكل المنتجات التي يشتريها المواطن اللبناني من السوبرماركت حيث ارتفعت الأرسعار بما لا يقلّ عن 30%، من دون اتضاح الأسباب كاملة، لكن السبب الأبرز هو ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بحوالى 30% ما انعكس على ارتفاع أسعار السلع في السوبرماركت، ولو كانت البضائع من المنتجات اللبنانية، لأن التجار يستغلون فلتان الأسواق لمحاولة تحقيق أرباح غير مشروعة على حساب المواطن في ظل غياب فاقع لمصلحة حماية المستهلك التي تقوم بجولات خجولة لا تتناسب وخطورة الأوضاع وحجم الفلتان في الأسواق!
تخيلوا مثلا أن كل لبناني تتعطل سيارته يجد نفسه أمام ابتزاز أصحاب محلات قطع الغيار الذين يخيّرون المواطنين بين خيارين لا ثالث لهما، مع العلم أنهم يشترطون الدفع كاش في الحالين: إما الدفع بالدولار، وإما في حال الدفع بالليرة فيسعّرون الدولار بأغلى من سعر الصرافين والسوق السوداء، أي أنه حين كان الدولار بسعر الـ1600 ليرة كانوا يصرّفونه بسعر الـ1800 وحين ارتفع لدى الصرافين إلى 1750 ليرة صاروا يشترطون تسعير الدولار بـ2000 ليرة، كما أنهم يتواطأون مع أصحاب كاراج الميكانيك ليستفيدوا معاً على حساب المواطنين!
وما ينطبق على ما يجري في كاراجات تصليح السيارات ينطبق أيضاً على كل مفاصل حياة المواطنين، من أسعار بوالص التأمين حيث خيار الدفع إما بالدولار أو بالليرة بناء على سعر أغلى من السوق السوداء، وهكذا أيضاً بات يتعاطى السنكري مع زبائنه بذريعة أن كل البضائع مُسعّرة بالدولار ويرمون اللوم على غيرهم!
تخيلوا أن وصل الأمر بمالكي بعض الشقق والشاليهات الذين يؤجرونها، أن باتوا يطالبون بقيمة الإيجار، حتى لليلة واحدة، بالدولار والإ بقيمته بالليرة بحسب سعر السوق السوداء!
في المقابل مصادر التجار تصرّ على أن لا إمكانية لتغيير الواقع القائم بفعل أن كل عمليات الاستيراد تجري بالعملة الصعبة، وبتالي لا يمكن أن توضع تسعيرة ثابتة للبضائع المستوردة بالليرة اللبنانية بفعل أن سعر الليرة يتهاوى يوماً بعد يوم في السوق السوداء، والمصارف عاجزة عن تلبية حاجات التجار بتأمين الدولار بسعر الصرف الرسمي الذي يُعلن مصرف لبنان عنه، وغير موجود إلا في البيانات الرسمية وليس في الأسواق. وتتوقع المصادر أن نشهد ارتفاعاً كبيراً إضافياً في الأسعار بفعل المشاكل التي يواجهونها في عمليات الاستيراد بفعل رفض المصارف لتحويل أموال إلى الخارج لإتمام عمليات الشراء والاستيراد، ما سيفتح بركان الأسعار على انفجار مخيف بفعل المضاربات التي قد نشهدها من التجار الذين يملكون المستودعات الأكبر والقدرة الأعلى على التخزين في انتظار عودة المصارف إلى نمط العمل الطبيعي في تسهيل التحاويل إلى الخارج لعودة عمليات الاستيراد إلى طبيعتها.
في الخلاصة يصح السؤال: هل وصل اللبناني إلى حائط مسدود؟ الثابت والأكيد أنه يدفع ثمن الانهيار المالي والاقتصادي من جهة وثمن جشع التجار من جهة ثانية وثمن غياب الأجهزة الرقابية للدولة من جهة ثالثة!