كتبت نوال نصر في صحيفة نداء الوطن:
كبُر كثيراً قلب رئيس اللجنة الأسقفيّة للمدارس الكاثوليكية راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر المطران حنا رحمة، وهو ينظرُ الى آلاف وآلاف الطلاب، من كلِ لبنان، وهم يطالبون “سلمياً” بعناوين كثيرة، بأسلوبٍ يرفع الرأس. وحينها أيقن أن طبيعة الدراسة يفترض أن تتغيّر أيضاً وتستجيب، منذ هذه اللحظة، الى طلاب لبنان. فغداً لن يكون كما أمس.
لطالما علّمت المدارس الكاثوليكية، ومعها كثير من مدارس لبنان، طلاب لبنان على تحمّل مسؤولياتهم والمطالبة بحقوقهم، ودائما بسلميّة، رفع هؤلاء الطلاب رأس المطران رحمة ورؤوس الكثيرين عالياً. ولكن ماذا بعد هذا المشهد الذي يرفع الرأس؟ يجيب سيادته: الطلاب سبقونا أشواطاً الى الأمام، وهم باتوا قادرين، بفعل انتشار الساتلايت والإنترنت، على استكشاف رقيّ الحياة في كثير من أنحاء العالم، وكيف تقف السيارات في خطّ مستقيم في انتظار مرور إنسان على الطرقات العامة. رأى هؤلاء أن للإنسان قيمة يفتقدها هنا. وأن كلفة التعليم في الخارج أقل مما هي هنا. هم يرون أهاليهم يعانون الأمرّين يومياً من أجل سداد الأقساط عنهم. إستيقظ هؤلاء على أمور ومسائل كثيرة كان يُروّج لها هنا أنها، بشكلِ لبنان وشاكلة سياسييه، من سابع المستحيلات.
طوّرت المدارس الكاثوليكية برامج التعليم لتتماشى مع متطلبات تطوّر هذا الزمان وإمكانات الطلاب. وهي كانت تعمل من أجل أن ينجز الطالب تعليمه المدرسي في عمر الخامسة عشرة. لا لزوم بعد اليوم ليبقى الطالب سنوات إضافية بينما هو قادر أن يدخل سوق العمل باكراً. الطفل يدخل اليوم الى المدرسة وهو يتمتع بكفاءات لغوية عدة. فلنتركه يدخل في عمر السادسة عشرة الى الجامعة التي يفترض بها أن تنفض نفسها أيضاً. فلتُدمج المواد ببعضِها. وليدخل الشاب والشابة سوق العمل في الحادية والعشرين. أمور كثيرة تتمناها المدارس الكاثوليكية وتعمل لها لكنها تصطدم في كل مرّة بعدم ملاقاة الدولة لها، التي يفترض أن تكون راعية التشريع، في منتصف الطريق. والكلّ يعلم أن التطوير يحتاج الى إطار قانونيّ وتشريعيّ وبرامجيّ. ويستطرد المطران رحمة: لم يعدّ يحقّ لنا كلنا أن نتخاذل. هناك قوانين نخضع لها مؤرخة بعاميّ 1936 و1954، وحين نطالب نحن أو غيرنا بتغيير وتطوير، يقومون بإضافة تعديلات وفقرات بدل أن ينسفوه ويعدوا قانوناً أو قوانين ملائمة جديدة. وهنا نستذكر قولاً للسيد المسيح فيه: ليس أحد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق لأن الملء يأخذ من الثوب فيصير الخرق أردأ.
المطران حنا رحمة
القوانين في شكل عام، وقوانين التعليم في شكل خاص، بحاجة أن تتغير أمس وليس غداً. وليتهم فعلوا هذا قبل أن يضطر الطلاب الى المشاركة، بهذه الحرقة والوجع، بالثورة. فليُعَد النظر منذ الآن في كل القوانين وليُعزّز التعليم المجاني. وماذا عن الأقساط التي ترهق الظهر والكتفين؟ يجيب رئيس اللجنة الأسقفيّة للمدارس الكاثوليكية: مشكلتُنا أننا مضطرون الى فرض أقساطنا من أجل السداد الى أساتذتنا في وقتٍ لا تقوم الدولة بأي تحفيز إقتصاديّ في البلد. المدارس ليست مسؤولة عن هذا التحفيز الإقتصادي، وبالتالي إذا أردنا أن نحلم بوطنٍ جديد على صورة آمالنا فعلينا الحثّ على إصدار قوانين تعزز التنمية الإقتصادية وهذه مسؤولية الدولة. فلنصرّ على صدور بطاقة التعليم المجانية كحقّ لكلّ مواطن حتى المرحلة التكميلية.
يتكلم المطران حنا رحمة بكثير من الشغف في كلِ مرّة يتذكر فيها حراك الطلاب الراقي مردداً: هؤلاء هم أحلامنا وآمالنا ومستقبلنا. فليساهموا بصناعةِ هذا المستقبل سلمياً… سلمياً.
المطران رحمة مؤسس منظمة “شباب للسلام” التي طالما سعى من خلالها من أجل تربية الأجيال الصاعدة في المدارس على القيَم وثقافة السلام وفي هذا الإطار يقول: علّمنا الشباب والشابات من جنوب لبنان الى بقاعه وشماله على المواطنة الفاعلة والمصلحة العامة. وحفزناهم على خلق الحلول واستنباطها مهما كانت المعضلات عميقة. وها نحن نرى ما علمناهم إياه يتحقق على الأرض. علمناهم في “شباب للسلام” كيف يطالبون بحقوقهم بأساليب سلميّة وجعل المسؤول يتنبه الى مطالبهم ويخشى من إهتزاز عرشه، إذا تصرف بلامبالاة، من دون تكسير وتحطيم واستخدام للقوّة. هؤلاء الشباب، الذين يملؤهم الأمل، يطالبون المسؤولين أن يعوا أن البارحة غير اليوم والشعب، كلّ الشعب، شبع من الظلم. ويستطرد رحمة: نحن نؤمن بالخلاص والهلاك، غيرنا يؤمن بالثواب والعقاب، ونحن واثقون أن من لن يتحاسب هنا على الأرض سيُحاسب ذات يوم في السماء.
نبني في مدارسنا، يقول رحمة، مواطنين صالحين قادرين على الإعتراض على الزبائنية.
رئيس اللجنة الأسقفيّة للمدارس الكاثوليكية تابع دروساً في الموسيقى والمسرح والغناء الشرقي وهو يعلّم الموسيقى للإكليريكيين. وها هم المتظاهرون يغنون ويدقون على الطناجر، فهل صوت الموسيقى بالفعل أقوى من كلّ الأصوات؟ وهل ثبُت فعلياً أن من لا يستطيع أن يتجاوب مع الموسيقى فلا قلب بين ضلوعه؟ يجيب رحمة: الموسيقى تُهذّب الأخلاق وتبني علاقات تتجاوز كل التفاصيل الضيّقة. وشعبنا شعب راق، ذكيّ في جيناته، وهو قادر على استنباط وخلق الحلول. والموسيقى مهمة جداً في الساحات. الموسيقى أفضل بكثير من لغة الشتائم ومن الضرب والتعصيب والتصرف بعدائية. فليغنّ الطلاب وليدقوا على الطناجر والمقالي. وليعبروا برقيّ. وليكتبوا هذه الثورة لأن ما يدونونه اليوم هو للتاريخ. وليتذكر الجميع، الطلاب وغير الطلاب، أن الغوغائية تُحطّم المجتمع.
المطران حنا رحمة أصرّ حين عُيّن راعياً في أبرشية بعلبك ودير الأحمرعلى افتتاح مدرسة موسيقية هناك لوثوقه أن الموسيقى ستحمي الشباب والشابات من آفات كثيرة ويُصبحوا رسل سلام وفرح ويتمتعون بالتوازن الروحي. الموسيقى تهذّب النفس.
ماذا عن المرحلة التي ستلي انتفاضة الطلاب والطالبات الذين عبروا وتظاهروا وغنوا وصفقوا ودقوا على الأواني؟ يجيب رحمة: هناك أكثر من خمسين ألف طالب، في كل لبنان، باتوا قادرين على التواصل معاً، وهناك أكثر من ستين “غروب” على الواتساب يبحثون عبره عناوين المرحلة التالية والمراحل التي تلي. ولا أحد سيعيد هؤلاء الى الوراء، كما لن يقبل هؤلاء العودة الى الوراء. الطابة في ملعب المسؤولين الذين ما عادوا يملكون رفاهية الإنتظار أو غضّ النظر. و”أوعا” يرتاح المسؤولون بعد اليوم لأن الطلاب، كما كلّ الشعب، لن يعودوا الى الوراء. فليتفضلوا بكسرِ النمطية القديمة على أمل أن تمرّ الأمور على خير لا على ويل.
نحن، يقول رحمة، خلقنا مؤسسات وربينا طلاباً يتمتعون بالوعيّ. وأنشأنا مآوى وجامعات ومستوصفات ودور حضانات. وحان الوقت لنجعل الدولة تتحرك. حان لها أن تخفف عن عاتق الأهالي كلفة الأقساط عن أطفالهم. فليسأل الطلاب دولتهم لماذا كلفة التعليم الخاص مرتفعة. هذه مسؤولية الدولة لا التعليم الخاص. الدولة مسؤولة لأنها لم تبنِ إقتصاداً. فلتطبق الدولة نظام التعليم المجاني لكلّ الطلاب والطالبات ولتخفف عن الأهالي. وليطالب طلابنا بحقوقهم. هذا حقّهم.
كلّ المستقبل
3 إحتجاجات طلابيّة غيّرت العالم
تعالوا نتذكر بعض أهم الإنتفاضات الطلابيّة التي غيّرت وجه التاريخ:
1 – إحتجاجات حرب فييتنام (1966-1969)
إنطلقت الحركة المناهضة للحرب في الستينات، من حرم الجامعات، حيث بدأ الطلاب من منظمة تدعى «الطلاب من أجل مجتمع ديموقراطي» في تنظيم تدريبات للحديث عن معارضتهم لحرب فييتنام. وأصبح صوت الإحتجاج يشتدّ من بوابات الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية. وانطلق أحد أشهر هذه الإحتجاجات من جامعة ولاية «كنت» في العام 1970. وقتل أربعة طلاب خلال الإحتجاج عندما أطلق الحرس الوطني في أوهايو النار على المتظاهرين. وحرّضت عمليات إطلاق النار على إضراب على مستوى البلاد. وانتشرت المشاعر المناهضة للحرب في كلّ مكان. وفي النهاية، إستند الرئيس نيكسون الى هذه الإحتجاجات الطلابيّة بالتحديد ليُعلن إنسحاب القوات الأميركية العام 1973.
2 – مناهضة الفصل العنصري العام 1976
نظام الفصل العنصري الذي جرى تطبيقه في جنوب أفريقيا بين عامي 1948 و1991، الذي عُرف باسمِ الفصل العنصري والتمييز القسري والحرمان السياسي والعنف السياسي ضدّ السود في جنوب أفريقيا. وانطلقت التظاهرات بقيادة طلاب سود في بلدة سويتو في جنوب أفريقيا وشارك فيها نحو عشرين ألف طالب قاموا باحتجاجات استجابة للغة الأفريقانية للطلاب السود وهي لغة مرتبطة بالظالمين البيض. قوبل هؤلاء المتظاهرون بوحشية شديدة من جانب الشرطة حين تمّ إطلاق النار عليهم بالغاز المسيّل للدموع وبالرصاص، ما أسفر عن مقتل 176 محتجاً. أشعلت التظاهرة وما تلاها من ارتكابات السلطة حركات مناهضة للفصل العنصري في جميع أنحاء العالم. وانضمّ طلاب الجامعات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى الى الحركة الإحتجاجية ونظموا التظاهرات وحثوا جامعاتهم على الخروج من مؤسسات جنوب أفريقيا التي دعمت نظام الفصل العنصري.
3 – إحتجاجات ميدان «تيانانمن» العام 1989
هو الإحتجاج الطلابي الأكثر شهرة وردت عليه الحكومة في شكلٍ قاسٍ جداً. وفي التفاصيل أن الطلاب المحتجون احتلوا الساحة رداً على وفاة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الإصلاحي «هو ياو بانغ» وشكّل موته الشرارة التي أدت في ما بعد الى احتجاجات مؤيدة للديموقراطية. ويومها تحرك جيش التحرير الشعبي نحو الميدان من أجل وضع حدّ للإحتجاجات مستخدماً الدبابات ومطلقاً الغاز المسيّل للدموع. ويومها وقف الطالب «وانغ وي لين» (19 عاماً) أمام الدبابات المتقدمة وأصبح أيقونة الثورة. ويُعرف الميدان اليوم باسم حادثة الرابع من يونيو. وشكّلت تلك المذبحة شرارة التغيير في الصين.
الشرارة واتساب والمطالب كثيرة
3 أسئلة و3 أجوبة
ثلاثة أسئلة يتداولها لبنانيون وغير لبنانيين أمام مشهد انتفاضة طلاب لبنان وهذه أجوبتها:
– لماذا إحتجاج الطلاب وغير الطلاب في لبنان؟
إنها سلسلة من الإحتجاجات غير الطائفية في جميع أنحاء لبنان إستجابة لفشل الحكومة في إيجاد حلول للأزمة الإقتصادية التي تلوح في الأفق منذ العام الماضي.
– هل لبنان بلد فقير أم غني؟
طالما وُصف لبنان كدولة ينتمي سكانها الى الطبقة الوسطى في منطقة جنوب البحر المتوسط غير أن ثلث سكانه باتوا يعتبرون فقراء وفقاً للجنة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا.
-هل يحقّ للطلاب الإحتجاج؟
لا تستطيع المدرسة حظر خطاب الطالب السياسي كما لا تستطيع إجبار الطالب على المشاركة في احتجاج لا يريده.