مسألة ساعات قبل أن يبدأ الموفد الفرنسي مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا كريستوف فارنو لقاءاته في بيروت التي وصلها في اطار جولة ميدانية على التطورات اللبنانية، ليعاين عن كثب ثورة الشارع ومواقف السلطة السياسية وترنح المشاورات عند نقطة العجز عن تشكيل حكومة، لا بل تكليف من يؤلفها. المسؤول الغربي الأوحد الذي يحطّ في بيروت منذ انفجار قنبلة الشارع في وجه السياسيين وإطاحة الحكومة، لا بد ان يحمل في جعبته مقترحا ما، كما تفيد اوساط دبلوماسية “المركزية”، لإخراج البلد الصديق من عنق زجاجة كباش السلطة والشعب، بعدما بلغ ذروته، واضعا مصير الوطن برمته على المحك.
فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لم يقرر عن عبث ارسال موفده الى لبنان، بل اقدم على خطوته هذه بعدما استشعر مدى خطورة الوضع وفقدان زمام المبادرة من القوى السياسية لمصلحة الشعب الثائر، وقد بات الرقم الصعب في اي قرار يتخذه مسؤول في الدولة من اعلى الهرم الى اسفله، واتجاه الاوضاع الى المصير المجهول لاسيما اقتصاديا في ضوء الضغط غير المسبوق على مجمل القطاعات والازمة النقدية التي تعصف بالبلاد. وماكرون الذي خبر حالا مشابهة في بلاده مع “السترات الصفر” يتحرك في الاتجاه اللبناني المزدوج سلطة سياسية وحراكا، من موقع يؤهله الاضطلاع بالدور الانقاذي نسبة لشبكة علاقاته اللبنانية والدولية عبر التواصل مع الاطراف اللبنانيين ومع واشنطن وموسكو وطهران والرياض بما لهذه العواصم من فاعلية وتأثير في المشهد السياسي اللبناني.
وتوضح الاوساط ان فرنسا ليست مع “عزل اي مكون لبناني او وضع فيتو على اي فريق”، وهي ستعرض خبرتها للمساعدة في التشكيل من دون ان تتوقف عند التفاصيل سواء لجهة من يرئس الحكومة او من ينضوي فيها لأن التشكيل شأن لبناني لا تسمح باريس لنفسها بالتدخل فيه. اما الهامش المتاح للتحرك ضمنه فيقتصر على تقديم بعض الضمانات التي من شأنها، اذا ما توافرت، ان تحمل قوى سياسية معينة على القبول بخيار حكومة التكنوقراط المطلوبة شعبيا، للخروج من الشارع والمساعدة حيث يُطلب منها، في اطار دورها التاريخي المعهود كراعية وحاضنة دولية للبنان منذ الاستقلال.
وتشرح في هذا المجال ان فرنسا القلقة على مستقبل لبنان ومصير سيدر وسائر مؤتمرات الدعم الدولي التي بذلت جهودا جبارة في سبيلها تنصح المسؤولين بتشكيل حكومة تلبي اولا مطالب الحراك فتنال ثقته، يرأسها من يملك من المقومات ما يؤهله لانقاذ البلاد في ظرف بالغ الصعوبة، مع فريق عمل على قدر المسؤولية بعيد كل البعد عن الاحزاب مباشرة او من تحت الطاولة، على ان تتكفل من خلال اتصالاتها الخارجية بتبديد قلق حزب الله ازاء فقدان قدرة التحكم بسياسة هذه الحكومة من خلال الثلث المعطّل وخشيته من “مؤامرة” تستهدف سلاحه عبر استراتيجية دفاعية تضعه في مواجهة السلطة. وتشير الى ان باريس ومن خلال اتصالاتها الدولية تبدو وفّرت هذه الضمانة للحزب، على الاقل في الفترة الانتقالية حيث لا مساحة كافية للحكومة الانقاذية لبحث مصير السلاح خارج الشرعية وتنفيذ كامل بنود اتفاق الطائف في هذا الشأن، اذ ان ما ستواجه من تحديات اقتصادية ومالية واجتماعية يكاد لا يكفي لعمرها المفترض انه مرتبط بالمهمة التي ستشكل لأجلها.
وإلى السلاح، ثمة ضمانة اخرى من جانب رئيس الحكومة تتمثل بالتزام سياسة النأي بالنفس قولا وفعلا، خصوصا في المحافل العربية، وعدم الانخراط تحت اي عنوان في المحاور والصراعات الاقليمية، علما ان هذه السياسة شكلت شرطا من الدول المانحة لتقديم المساعدات في مؤتمر سيدر. فهل تلتقي مصلحة حزب الله في حاجته الى تشكيل حكومة سريعا تبعد انسحاب شبح انتفاضة العراق عنه مع المصلحة اللبنانية بتشكيل حكومة تنقذ البلاد من الانهيار، من بوابة الضمانات الداخلية والدولية؟