Site icon IMLebanon

«حزب الله» لن يدع حلفاءه يسقطون

 

خرج المتظاهرون في لبنان إلى الشوارع في حِراكٍ غير مسبوق في حجمه منذ الاستقلال في العام 1943 وهم يهتفون ضدّ فساد جميع القادة السياسيين الموجودين في السلطة اليوم، وعبّر هؤلاء عن مطالبهم بالإصلاح وعن غضبهم من سوء الخدمات العامة والأوضاع الاقتصادية والمالية.

وفي مقاربةٍ لـ«محور المقاومة»، الذي سعى إلى إقناع رئيس الحكومة سعد الحريري بعد أيام على خروج المتظاهرين بعدم الاستقالة، أن عدم إصغاء الحريري تَسَبَّبَ بتأجيل تنفيذ ورقة الإصلاحات التي تتضمن 13 بنداً إلى حين تشكيل حكومة جديدة، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى «ثورة أخرى» في حال فَرَض الفراغ نفسه مع تعثّر الاتفاق على طبيعة الحكومة المقبلة.

وتسأل الدوائر القريبة من هذا المحور عن أنه كيف يمكن للبنان أن يستقرّ في ظل سياساتِ دولٍ تريد ملاحقة «حزب الله» وإضعافه في الداخل؟

ورغم الإقرار بمشروعية مَطالب الشارع الغاضب، فإنه لم يرُق لهذا المحور وقواه «تكبير الحجر» من المتظاهرين الذين صوّبوا على شيء ليصطادوا أشياء أخرى. فالحِراك ذهب في اتجاه رفْع شعارات ضد حلفاء أساسيين لـ«حزب الله» وعائلاتهم عبر اتهامهم بتجميع الملايين من صفقاتٍ غير قانونية وفرْض شراكات قسرية على المستثمرين، لكنهم ألقوا اللوم في نهاية المطاف على الحزب.
ولدى الحزب، في رأي الدوائر القريبة من «محور المقاومة» شكوكاً حيال ما يجري «لا شك أن الفساد والمظالم تضرب المجتمع اللبناني بأسره ما يؤلّب الشباب الصاعد، لكن تقديم مطالب يستحيل تنفيذها يُضْعِفُ أهداف الحِراك، وخصوصاً أن الإهانات وجهت للجميع من دون استثناء ما عكس فوضى الحِراك وتَعَدُّد أهدافه».

وفي تقدير هؤلاء أن «للناس مطالب عادلة ولكن هناك مَن يراقب مسار الحِراك للتدخل في اللحظة المناسبة، إذا سمحت الفرصة، وتالياً فإن حزب الله ينظر بعناية إلى دوافع كل هؤلاء ومَصادر تمويلهم، وتحديد الجهات المستفيدة من الفوضى العامة في البلاد بدَل الاستماع إلى مطالب الحِراك والتنسيق معه».

ولم تُخْفِ الدوائر ذات الصلة بـ«محور المقاومة»، استهجانها لما قاله حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة لـ«نيويورك تايمز» بعد أيام من نزول المتظاهرين إلى الشارع، حين أوحى بأن «حزب الله» هو الذي يحرّض لربْطه بالفساد لأنه التزم بالعقوبات الأميركية التي وضعتْها إدارة الرئيس دونالد ترامب على الحزب ومناصريه وبيئته الحاضنة، مستغربةً كيف يمكن لرئيس المؤسسة النقدية الأهمّ في البلاد أن ينحاز لإجراءاتٍ عقابية ضد أبناء بلده.

ولم يعد مفاجئاً في بلاد مثل لبنان تعاني من تَأَصُّل الفساد في ظل النظام الطائفي، أن يكون كل قائد سياسي تحوّل رجل أعمال ثرياً على حساب المال العام، وكثر هم الذين أثْروا خلال توليهم المسؤوليات في ميادين مختلفة، مدنية كانت أم عسكرية من دون أن يسأل أحدهم «من أين لك هذا؟»… فالهدايا والأموال التي تُدفع لهؤلاء فوق الطاولة وتحتها كادت أن تصبح ثقافة عامة.

ولم يكن يعلم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله – بحسب هؤلاء – أن الحملة التي أعلنها قبل نحو عام لمكافحة الفساد ستصطدم بعوائق كثيرة وتفشل، فهو يحتاج لدعم السلطتين التنفيذية والتشريعية كونهما تملكان مفاتيح القرار، غير أن المفارقة هي أن الحاكمين والمتهَّمين هم أنفسهم، ويستوي في هذا الأمر خصوم الحزب والحلفاء القريبون منه.

ومَن هم على بيّنة من خيارات «حزب الله» وأسلوب عمله، يقولون إن القوة العسكرية الضخمة التي يملكها غير مناسبة لمحاربة الفساد فيما التغييرات السياسية أساسية لفرْملة عجلة الفساد وإيقافها. ويواجه الحزب عقوبات أميركية غير فعالة بتاتاً ضده وضد قواته، ولكنها فعالة ضد الأغنياء من بيئته وكذلك عندما تُفرض على حلفائه. ولهذا السبب فقد حذّر نصرالله من أنه لن يسكت على استمرار العقوبات على البيئة الحاضنة والحلفاء، من دون أن يعلن عن خطّته لمحاربتها ومجابهتها.

فـ«حزب الله»، بحسب هؤلاء، يتلقى أمواله من إيران نقداً أو من خلال السلع الإيرانية التي يبيعها ومنها النفط. ويملك بنكاً خاصاً به، هو «القرض الحسن»، من دون أن يكون محتاجاً لنظام التحويل SWIFT. وهو يقدّم اليوم المبالغ إلى عملائه بالدولار الأميركي مهما كبر المبلغ على عكس المصارف اللبنانية الأخرى التي تقدم لزبائنها 1500 $ فقط اسبوعياً.

ويتلقى عشرات الآلاف من مقاتلي «حزب الله» وموظفيه رواتبهم الشهرية من دون تباطؤ، ويتمتع هؤلاء بحسمٍ خاص للمشتريات في مخازن عدة. كما لدى عناصر وعائلات الحزب نظام صحي متكامل ونظام تقاعدي خاص معفى من الضرائب. ويُمَثِّل هؤلاء العمود الفقري للحزب الذي يدين لهؤلاء باستمراريته، وتالياً فإن الحزب يضخّ عشرات الملايين من الدولارات شهرياً في السوق اللبنانية.
و«حزب الله» ليس في وضعٍ يُحَمِّل حلفاءه نتائج العقوبات عليه. وبالتالي سيحافظ على مصلحة بيئته وكذلك على حلفائه المسيحيين ولن يدع هؤلاء يسقطون حتى ولو كانت الفوضى المالية والسياسية تقترب أكثر فأكثر من لبنان لتصيب الجميع من دون استثناء.