كتب إيلي الفرزلي في “الاخبار”:
أُجّلت الجلسة التشريعية أسبوعاً، فتأجّلت معها تحركات كانت قد استنفرت الأمن كما السياسيين. أسباب التأجيل عديدة، لكن ذلك لم يمنع كثيرين من اعتباره «الإنجاز الثاني للانتفاضة» (بعد استقالة الحكومة). وإلى الأسبوع المقبل، فإن التحركات ستستمر بوتيرة تصاعدية.
سقطت الجلسة التشريعية التي كانت مقررة اليوم. مجموعات الحراك تعدّ ذلك من إنجازاتها، لكن على مقلب السلطة، وفي قراءة بعض أهل الحراك، فإن السبب الفعلي هو عدم القدرة على تأمين النصاب، بعد إشارات عن رفض كتلتَي المستقبل و«لبنان القوي» المشاركة فيها.
الرئيس نبيه بري ذهب إلى وضع العامل الأمني من بين الأسباب، وهو ما كان قد أوحى به أيضاً طلب قوى الأمن من وزارة الداخلية رفع الجاهزية الأمنية إلى 100 في المئة. ذلك مبرر تضاربت بشأنه الآراء. منها من رآه تهويلاً أو حجّة للإلغاء، ومنها من وجد فيه قراراً بالمواجهة… أُجّل أسبوعاً. أما إشارة بري إلى أن «الوقوف ضد الجلسة التشريعية والضجة المفتعلة ليسا بسبب اقتراح قانون العفو، بل الهدف من هذه الحملة هو إبقاء الفراغ السياسي الموجود حالياً»، فلم يعتبر أحد ممن تحدثت معهم «الأخبار» من أعضاء المجموعات الناشطة في الانتفاضة أنهم معنيون به. هؤلاء يجمعون على أن أحد مطالب الناس هو الإسراع في تشكيل حكومة تعبّر عن نبض الشارع، وقادرة على إخراج البلد من أزمته الخانقة، وهؤلاء على العكس بدأوا يقتنعون بأن في السلطة من يناسبه الفراغ، لأنه لا يريد أن يتحمل الانهيار أو مسؤولية السعي إلى إنقاذ البلد.
على أهمية حل قضية المطلوبين الإسلاميين أو طفّار البقاع الشمالي في اقتراح قانون العفو، إلا أن وضع هذا الأمر في إطار المطالب الملّحة لم يجد فيه معن الأمين (مواطنون ومواطنات في دولة)، سوى محاولة لشراء الولاءات بقانون يضيع فيه الحق مع الباطل، فإذا كان كثيرون يستحقون العفو أو إسقاط الدعاوى أو بلاغات البحث والتحري عنهم، فإن ذلك لا يعني تعميم العفو على من يستحق ومن لا يستحق.
وبالرغم من أن الجرائم المالية لم يكن قد أشير إليها بشكل واضح، إلا أن ذلك لم يطمئن الذين قاموا بحملات كبيرة في مواجهة هذا الاقتراح، متخوّفين من أيّ إضافة قد تشهدها الجلسة، تكون نتيجتها العفو عمن تصرّف بالمال العام.
النقاش بشأن جدول أعمال الجلسة صار نقاشاً عاماً. لم يسبق أن تم التداول بين الناس بمشاريع واقتراحات قوانين معروضة أمام المجلس النيابي، كما حصل في اليومين الماضيين. عدد من المشاركين في الندوات التي تعقد في موقف السيارات المجاور لمبنى اللعازارية يرون أن الانتفاضة جعلت الناس يشعرون بأنهم معنيون أكثر بكل ما يتعلق بمستقبلهم ومستقبل بلدهم.
الرئيس نبيه بري أشار إلى أن الجلسة ستُعقد الأسبوع المقبل بجدول الأعمال نفسه، إلا أن في الحراك من يعتبر أن ذلك لن يدوم، لا بل أن تشهد الجلسة تعديلاً يتناسب مع مطالب الناس. وعند الإشارة إلى أن ذلك لا يستوي قانوناً على ما قال بري، كون اقتراحات القوانين المعجّلة تعرض «عفواً» على الهيئة العامة التي تقرر الإبقاء على صفة العجلة أو تحويل الاقتراحات إلى اللجان لمزيد من الدرس، يذهب القانونيون من الناشطين إلى اعتبار أن الأولى عندهم الالتزام بالدستور. فالمادة 32 منه تنص على أن العقد العادي الثاني لمجلس النواب «يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة». صحيح أن المجلس النيابي نادراً ما التزم بهذه المادة، إلا أن ذلك يبقى مخالفة دستورية يجب ألا تتحول إلى قاعدة. لذلك، يؤكد هؤلاء أنهم يؤيدون انعقاد لجنة المال لدرس مشروع الموازنة، على أن يكون هذا المشروع هو أولوية مجلس النواب، إلى جانب قوانين تتوافق فعلاً مع حالة الطوارئ الاقتصادية والمالية.
يرى طارق عمار (حملة «لِوطني») أن تحويل الأنظار إلى مجلس النواب في الأيام الماضية لا يعني وجوب نسيان الهدف الأساسي، أي تشكيل حكومة إنقاذ وطني من خارج أحزاب السلطة. وهو يستغرب كيف تتصرف هذه الأحزاب ببرودة مع كل ما يجري. فتشكيل الحكومة يتم بدم بارد، والمصارف مغلقة، وكذلك المدارس، والحريري يريد «كارت بلانش» ليفعل ما يشاء، ثم يُسأل الناس عما يريدونه أو يطلب منهم تقديم الحلول. وبالرغم من الجمود الذي يخيم على البلد، يستغرب عمار كيف أن النواب، بعد أسبوعين من استقالة رئيس الحكومة، لا يزالون ساكتين عن المطالبة ببدء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية جديدة لتأليف الحكومة.
ما العمل بعد تأجيل موعد الجلسة العامة؟ الأكيد أن خطوة إغلاق الطرقات المؤدية إلى المجلس النيابي سقطت تلقائياً، لكن مع ذلك، فإن دعوات إلى قطع الطرقات بدأت تنتشر عبر «واتساب» مساء أمس. كما أن مجموعات في طرابلس أكدت قطع الطرقات منذ الرابعة من فجر اليوم. مع ذلك، فإن رأي غالبية المجموعات لا يتوافق مع هذه الدعوات، مع التشديد في الوقت نفسه على استمرار الإضراب، إضافة إلى استكمال التحركات التي كانت تجرى يومياً أمام المؤسسات العامة ورموز السلطة. بعض المجموعات المنضوية في إطار «هيئة تنسيق الثورة» كانت قد أعلنت أنها ستنطلق إلى مرحلة التحرك «أمام المصالح الخاصة»، تاركة تحديدها إلى عنصر المفاجأة. يكتفي عمر واكيم (حركة الشعب) بالإشارة إلى أن التوجه سيكون نحو المصالح المرتبطة بالسلطة وشريكتها في الفساد، على أن تكون الوتيرة تصاعدية، وصولاً إلى يوم الثلاثاء المقبل، الموعد الجديد للجلسة التشريعية.